السراج فاطفئيه ففعلت فقعدوا وأكل الضّيف وباتا طاوبين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عليه الصّلاة والسّلام لقد عجب الله أو ضحك من فلان وفلانة وفي رواية: وأنزل الله هذه الآية. وقدمنا ما يتعلق بالأخوة الصّادقة وفوائدها في الآية ٦٧ من سورة الزخرف ج ٢ فراجعها. قال تعالى «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» ويخالف هواها ويميل إلى كرم النّفس يفوز بخيري الدّنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(٩) والشّح اللّؤم وهو أن تكون النفس كزة حريصة على المنع، وقيل في ذلك:
يمارس نفسا بين جنبيه كزة ... إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا
والكزّة القبيحة، والكزازة اليبس والانقباض، ويقال للبخيل كزّ اليدين. والبخل شدة الحرص لخوف الفقر وعدم اليقين بخلف الله عليه لتغلب تسويلات الشّيطان عليه. قال تعالى:(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) الآية ٢٦٩ من البقرة المارة. ولا يزال البخيل يبخل حتى يحمله بخله على الحرص، حتى أنه ليبخل على نفسه بما في أيدي الغير، لأن من معاني البخل مطلق المنع. روى مسلم عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال اتقوا الظّلم فإن الظّلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشّح فإن الشّح أهلك من كان قبلكم وحملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة أنه صلّى الله عليه وسلم قال شرّ ما في الرّجل شح هالع (الهلع شدة الجزع على ما يفوت) وجبن خالع أي (يخلع الفؤاد لشدة الفزع) . وأخرج النّسائي عنه قال قال صلّى الله عليه وسلم لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّح والإيمان في قلب عبد أبدا. وأشرنا إلى ما يتعلق لهذا آخر سورة محمد عليه السّلام فراجعه، قال تعالى «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» أن الفيء المار ذكره يكون أولا للمهاجرين، ثم للأنصار، ثم للّذين يأتون من بعدهم وهم التابعون إلى يوم القيامة، لأن هذا الفيء يكون بيد من يتولى أمر المسلمين فينفقه عليهم، وهؤلاء المستحقون ذلك هم الّذين «يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ