يقصدوا الطّعن بحضرة الرّسول، ولهذا وفقوا للتوبة والقبول، والأعمال بالنيات قال تعالى «يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ» وينالهم جزاؤهم بالعدل «وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ»(٢٥) إذ ترتفع الشّكوك في ذلك اليوم، ويحصل العلم الضّروري لكل أحد بما أخبرت به الرّسل، هذا وإن الله تعالى لم يغلظ في القرآن شيئا من المعاصي تغليظه في رمي السّيدة عائشة، وفأوجز وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر، وما ذلك إلّا لعلو منزلة بعلها صلّى الله عليه وسلم، والتنبيه بفضلها وكرامة أبيها، وقد برأها في هذه الآيات العظام. ثم بين تعالى استحالة وقوع هذه القرية على السّيدة عائشة على الظّنون والأفكار، وتنويها بطهارتها وطيب عنصرها بقوله عز قوله «الْخَبِيثاتُ» من النّساء «لِلْخَبِيثِينَ» من الرجال «وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ» لأن المجانسة من دواعي الانضمام والطّيور تقع على أشباهها «وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ» ولما كان حضرة الرّسول أطيب الطّيبين وأطهر الطّاهرين اختار له السّيدة عائشة من أطيب الطيبات وأزكى الزاكيات، وقد أظهر أن ما نسب إليها اختلاق باطل وزور محض وإفك مفترى وخرافة تافهة، ولذلك برأها الله تعالى بآيات بينات تنويها بعلو شأن بعلها وأبيها ونفسها مع انه جل ذكره برأ السّيد يوسف عليه السّلام بشاهد من أهل زليخا وبرأ موسى عليه السّلام باعتراف الباغية وبرأ مريم عليها السّلام بانطاق ابنها فكانت براءة عائشة أعظم للأسباب المارة «أُولئِكَ» إشارة إلى السّيدة عائشة وصفوان فقط والجمع يطلق على الاثنين فصاعدا كما نوهنا به في الآية ٤٥ من سورة النمل ج ١ والآية ٧٨ من سورة الأنبياء ج ٢ وسيأتي نحوه في الآية ١٩ من سورة الحج «مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ» الأفاكون الخبثاء وأولئك «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» لذنوبهم «وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(٢٦) في الآخرة، وهذا الحكم الحادي عشر وهو آخر ما نزل في السّيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، وهي تلك الدّرة المصونة التي قبض حضرة فالرسول في حجرها، ودفن في بيتها، وكان ينزل الوحي في فراشها دون سائر نسائه، ولم يتزوج بكرا غيرها، وقد نوه حضرة الرّسول بفضلها، وأنزل الله الآيات بطهارتها وطيبها، فهل بعد هذا من فضل وكرامة