ربهم، وإنما نزلت في أهل الأسواق الّذين إذا سمعوا النّداء تركوا أشغالهم وبادروا إليها ليقتدي بهم من بعدهم ويا حسرتاه الآن تراهم لا هين باللعب والشّغل عن الصّلاة ولا يجيبون المنادي، فإنا لله وإنا إليه راجعون من أناس لا يخافون أن يدخلهم الله في قوله في المثل الثاني المخيف المزدوج «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ» التي عملوها في الدّنيا تكون يوم القيامة «كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ» جمع قاع وهي ما انبسط واستوى من الأرض «يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً» فيقصده ليشرب منه لشدة عطشه حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً» فيخيب ظنه ويظهر له وهمه وسبعتبين له خطأه «وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ» أي السّراب الذي توهمه ماء «فَوَفَّاهُ حِسابَهُ» على
ما كان منه في الدّنيا فعاقبه عليه وأحبط عمله الصّالح الذي كان يرجو ثوابه، إذ لم يبتغ فيه وجه الله «وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ»(٣٩) يحاسب الخلق كلهم بآن واحد محاسبة رجل واحد بأسرع مما يتصوره المنصور كطرف العين وقل «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ» عميق جدا «يَغْشاهُ» يغطي ذلك البحر «مَوْجٌ» عظيم وهو ما ارتفع من الماء بسبب الهواء «مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ» آخر تراكم عليه «مِنْ فَوْقِهِ» أي الموج الثاني «سَحابٌ» كثيف جدا فصارت كأنها «ظُلُماتٌ» أربعة ظلمة البحر وظلمة الموج وظلمة السّحاب وظلمة الليل «بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ» بحيث يكون الواقع فيها «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها» من تراكم الظّلمات الأربع مع أنها أقرب شيء منه، فكيف يمكن أن يرى غيرها «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً» يهتدي به في الدّنيا «فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(٤٠) في الآخرة، وهذان المثلان ضربهما الله تعالى للكافر إذ شبّه عمله الحسن الذي كان يتوحّى ثوابه بالسراب والقبيح بالظلمات، فإذا وافى عرصات القيامة لم يجد الثواب الذي كان يأمله، لأنه عمله للرياء والسّمعة، فكان حاله كالظمآن المحتاج إلى الماء إذا رأى سرابا تعلق قلبه به، فإذا ذهب إليه ولم يجد ماء اشتدت حسرته وعظم غمه وتناهى فجره ولم تكفه خشية تلك بل وجد عنده عذاب الله الذي لا يطاق وزاده غضبا مشاهدة قبائحه من ظلمة عقيدته وظلمة أقواله وظلمة أفعاله وظلمة نيته، إذ جسّمت له في ذلك اليوم العظيم ليتضاعف