والعادات السّامية «يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ» التي أنتم بحاجة شديدة لمعرفتها والتحلي بها «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(٥٨) فيما يأمر وينهي بما ينفعكم ويضركم ويعلمكم محاسن الأخلاق ومعالي الآداب مع النّاس ومع أنفسكم. قالوا دخل على أسماء بنت مرشد غلامها في وقت
كرهت فيه دخوله، فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقالت إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها، وكان صلّى الله عليه وسلم وجه مدلجا غلاما أنصاريا إلى عمر بن الخطاب وقت الظّهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته عند ذلك، وأخبر حضرة الرّسول فنزلت هذه الآية. فما روي عن ابن عباس أنه قال لم أر أحدا يعمل في هذه الآية في الخبر الذي رواه عن عكرمة وأخرجه أبو داود، وإلى قوله أن السّتور أغنت عن الاستئذان لا يفهم منه على فرض صحته ان هذه الآية منسوخة، وكذلك ما حكي عن سعيد بن المسيب بأنها منسوخة لا وجه له، وما هو وجه النّسخ يا ترى وبأي آية نسخت ولماذا نسخت؟
لا أدري روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قالت سألت الشّعبي عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال لا والله، قلت إن النّاس لا يعملون بها قال الله المستعان.
وقال سعيد بن جبير في هذه الآية ان أناسا يقولون نسخت والله ما نسخت ولكنها ممّا تهاون به النّاس. ومن تهاونهم الآن عدم مبالاتهم بدخول الحمال والسّائل والعامل والقروي فضلا عن الخادم ولا حول ولا قوة إلّا بالله. قال تعالى مؤيدا ما تقدم في الآية السّابقة «وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا» في جميع الأوقات لأنهم خرجوا من سن الطّفولة والتمييز وصار حكمهم حكم الكبار «كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» الأحرار الكبار، لأنهم صاروا مثلهم «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ» ليهذّبكم وينقيكم من كلّ ما ينتقد به «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بخلقه وبما يصلحهم ويحسن أمورهم «حَكِيمٌ»(٥٩) فيما شرعه لهم وبعد أن ذكر الله تعالى ما يتعلق بالآداب ذكر أحكاما تتعلق بالأحكام المارة، فقال جل قوله «وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ» اللاتي قعدن عن الحيض والحبل بكرهن وعجزهن وقطع أملهن من الزواج، وهن «اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً» بعد ما وصلن إليه من الحال «فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ»