فقتلوه، فأهلكهم وعطل بئرهم وقصورهم ولم يبق منهم أحدا كما ذكر الله القائل «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ» هؤلاء الّذين لا يؤمنون بك يا محمد فينظروا إلى آثار الأمم المهلكة قبلهم بسبب تكذيبهم أنبيائهم «فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها» كيفية إهلاكهم وسببه «أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها» ما كان منهم وما وقع من أفعالهم وما كانوا يعاملون به أنبياءهم من الجفاء والإهانة فيتذكرون ويتعظون ويعتبرون، ولكن لو فعلوا ذلك لم ينفعهم لأنهم لم يوفقوا للخير لسابق شقائهم «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ» عن الرّؤية لتلك الآثار ولو عميت فإن عماها لا يضر في الدّين ولا يمنع التفكر والتذكر «وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(٤٦) فهي التي عماها يضرّ في ذلك ويمنع من الاعتبار ولهذا فلا تنفعهم الذكرى. تشير هذه الآية الجليلة إلى أن هؤلاء عمي القلوب ويقال عمه القلوب بالهاء لا ينتفعون بشيء من الآيات لأن ما تراكم عليها من صدأ الكفر وظلمته حال دون النّظر إليها والتفكر بها من الأبصار التي في الرّأس لأنها لا تفيد بلا بصيرة قال تعالى «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ» يا سيد الرّسل «بِالْعَذابِ» الذي تعدهم به وتهددهم بعظمه فقل لهم إنه لآت لا محالة، لأنه مما وعد الله «وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ» لأنه مقدر عنده إلى يوم وأيّام الله طويلة ليست كأيامكم «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ»(٤٧) وأيّام العذاب من هذا القبيل ترى طويلة لشدة ما يقاسيه العذاب، فلا تستعجلوا بطلبه وكيف تريدون أن ينزل بكم وأنتم تعلمون أن أيّام الشّدة في الدّنيا طويلة على ما تعلمون من قصرها وانتهائها، فكيف بأيام الآخرة التي لا غاية لها معلومة، فانتظروا ولا تغتروا بالإمهال «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ» فأدررت عليها الرّزق والولد والجاه لتستدرج لما هي عليه من الشّر لأنها خلقت شريرة لا ينفعها النصح، فاغترت وتمادت بالعصيان، حتى ظنت الإهمال لطول الإمهال، وإنها لم تؤخذ «ثُمَّ أَخَذْتُها» على غرّة «وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ»(٤٨) لا إلى غيري مهما طال أمدهم وأمهلهم، ترمي هذه الآية إلى تحذير الأمة من التمادي في المعاصي، وعدم الاغترار بما يملي لهم. وهم ما هم على ما هم عليه، وإنها إذا لم ترجع إلى الحق