فقال لهما: لماذا دخلتما متسورين الجدار ولم تستأذنوا وتدخلوا من الباب وكان عليه علامة الفزع لما رأى من جراءتهما هذه «قالُوا لا تَخَفْ» ولا تظن بنا سوءا انما نحن «خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ» وهذا من معاريض الكلام لا من تحقيق البغي لأنهما جبريل واسرافيل عليهما السلام أوفدهما الله إلى نبيه داود ليعرفاه زلته وذلك انه عليه السلام رأى آباءه إبراهيم ويعقوب وإسحق أفضل منه فسأل ربه عن ذلك، فقال: إنهم ابتلوا فصبروا ففضلوا، فقال يا رب لو ابتليتني لصبرت ولم يسأله العافية مما ابتلاهم طلبا لعلو الدرجات عنده لا اختبارا، فامتحنه الله بما ذكرهنا قال تعالى «فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ» تجر وتحف وتملّ عنه «وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ٢٢» في هذه الخصومة بان تتبع الحق فيها وتعدل عن الباطل، قال تكلما، فقال أحدهما «إِنَّ هذا أَخِي» في الدين والخلقة لأن الملائكة لا تناسب بينهم ولا تقارب لأنهم خلقوا بلا شهوة ولا توالد بل بطريق التولد بلفظ كن بين الكاف والنون وإذا لم يكن توالد فلا تكون قرابة «لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً» امرأة والعرب تكني عن المرأة بالنعجة، قال ابن عون:
أنا أبوهن ثلاث هن ... رابعة في البيت صغراهن
ونعجتي خمس توفيهن ... آلا فتى سمح يغذيهن
«وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ» وهذا على سبيل التعريض وتصوير المسألة إذ ليس في الواقع هناك نعاج ولا يعني ولا يمنع فعل ذلك على فرض وجوده على الملائكة «فقال» صاحب للتسع والتسعين لصاحب الواحدة «أَكْفِلْنِيها» أعطينها وتنازل عنها واجعلها نصيبي لأن الكفيل النصيب «وَعَزَّنِي» غلبني وفي المثل من عزيز أي تفوّق عليّ وأخذني بفصاحته «فِي الْخِطابِ ٢٣» المخاطبة أو في الخطبة حين طلبها منه وقد صور الملكان الحادثة ومثلاها حرفيّا ولم يتركا منها الا إبدال المرأة بالنعجة قال داود عليه السلام بعد أن سأل الخصم الآخر واعترف له بالحادثة كما قررها الخصم الأول، لأنه لا يمكن أن يحكم قبل أخذ الجواب من الخصم ولهذا بين بحكمه سبب الظلم فقال والله انّ هذا «لَقَدْ ظَلَمَكَ» يا صاحب النعجة