واجتلدوا بالنعال، فنزلت فيهم هذه الآية. وقال قتادة نزلت في رجلين من الأنصار كان بينهما مماراة بحق فقال أحدهما للآخر لآخذن حقي منك عنوة لكثرة عشيرته، فتدافعوا بينهم وتناولوا بعضهم فنزلت. وكلّ هذا جائز لأن يكون سببا للنزول، لأن الآية عامة في جميع المسلمين وحكمها باق إلى يوم القيامة، وكذلك الآية التي بعدها فهي عامة في كلّ من يقع منه شيء مما نهى عنه فيها وفي كل الآيات لأن العبرة لعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب. أما ما رواه البخاري ومسلم عن أنس قال: قيل للنبي صلّى الله عليه وسلم لو أثبت عبد الله بن أبي الحديث إلى أن قال فبلغنا أنها نزلت فيهم. وما روياه عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ركب على حمار إلى أن قال: وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن سلول قبل واقعة بدر فلا يصحان أن يكونا سببا للنزول. ومما يدل على ضعف القول الأوّل كلمتا قيل وبلغنا المشيرتان إلى توهين الرّواية، وعلى ضعف الثاني أنه قبل إسلام عبد الله لأن هذه نزلت بعد إسلامه بكثير وعبد الله منافق لم يزل على نفاقه وما كان إسلامه إلا صوريّا ومات على نفاقه كما أشرنا إليه آخر سورة المنافقين، وهو أحقر من أن ينزل الله فيه قرآنا أو يسميه مؤمنا، وقد تسامح من عدّ ما جاء في هذين الحديثين سببا للنزول، لأن هذه الآية متأخرة عن حادثة بن سلول المارة في سورة المنافقين فظهر أنها نازلة في طائفتين من المؤمنين وفي اقتران هذه الآية بالشرط إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يصدر القتال من المؤمنين لا أن ذلك لم يقع، بل وقع حقيقة، وإن المقاتلة تستعمل مجازا المضاربة ولم تزل تستعمل لغة حتى الآن يقول الرّجل لابنه
وغيره لأقتلك وهو يريد أضربك، لا القتل بمعنى الذبح، من لفظ البغاة يطلق على الخارجين على الإمام والحكم فيهم أن يرسل الإمام إليهم من ينصحهم ويكشف شبهتهم ويقف على الأسباب الدّاعية لخروجهم ويدعوهم إلى الطّاعة والانقياد لحكم الله، وإذا علم عذرا بخروجهم من ظلم ونحوه وجب على السّلطان إزالته، فإن لم يكن شيء من ذلك ولا شبهة لهم في شيء من أمر الدّنيا أيضا وأصروا على بغيهم بقصد قلب الحكم أو الانحياز لدولة أخرى فله أن يقاتلهم حتى يركنوا إلى الطّاعة ويسلموا تسليما مطلقا. واعلم أن قتال الخوارج يمتاز على قتال الكفار بثلاثة أمور، أن لا يتبع مدبرهم إذا هرب، ولا