للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبيث الذي أرادني عليه «وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» الّذين وكلهم فرعون بعذابي وصبرت حتى ماتت على إيمانها ولم يثنها عنه تعذيب المعذبين، رحمها الله رحمة واسعة، ولا شك أن الله أجاب دعاءها بفضله وكرمه. وقد بين الله في هذين المثلين أن وصلة الكافر للمؤمن لا تضره ولا تنفع الكافر مادام على كفره كما أن وصلة المؤمن للكافر لا تنفعه ولا تضر المؤمن إذا لم يمل إليه ويواليه راجع آخر سورة الممتحنة المارة ومن هذا القبيل وصلة السّيدة مريم عليها السّلام وما أوتيت من الكرامة مع قومها الكافرين فلا تنفعهم ولا يضرونها. قال تعالى في براعتها مما وصمها به قومها «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها» وتمتعت بالعفة في حياتها الدّنيوية كلها «فَنَفَخْنا فِيهِ» بواسطة الأمين جبريل عليه السّلام من جيب درعها نفخة «مِنْ رُوحِنا» التي خلقناها في الأزل لحياة ابنها عيسى عليه السّلام راجع الآية ٩٢ من سورة الأنبياء ج ٢ لنقف على كيفية النّفخ هذا وقد أضاف الله تعالى الرّوح اليه إضافة تشريف، لأنه هو الذي خلقها وأبقاها عنده للوقت المقدر لبعث ابنها لأنها له، كما يقال بيت الله وهو لخلقه، وناقة الله وهي لقوم صالح عليه السّلام، وقد جرت عليها السّلام على أذى قومها وو صمهم لها وهي براء «وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها» التي بشرها بها جبريل عليه السلام بما لها عند الله من الكرامة، وبإيجاد عيسى منها من غير أب، وبهذا المعنى أطلق عليه كلمة الله، لأنه خلق بلفظ كن، وهي كلمة الله التي أوجد فيها جميع الخلق النّامي منه والجامد «وَكُتُبِهِ» المنزلة على أنبيائه، صدقت بها أيضا، ومنها إنجيل ابنها الذي تلقاه عن ربه «وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» (١٢) لله تعالى وهي من نسل القانتين، لأن رهطها وعشيرتها من بيت الصّلاح والنّبوة، ولما كان القنوت صفة تشمل كلّ من يقنت ذكرا كان أو أنثى غلب في الذكور هنا، فيدخل فيه القانتات واعلم أن في هذين المثلين تعريضا بأمّي المؤمنين حفصة وعائشة رضي الله عنهما على ما فرط منهما في تواطئهما على ما يغيظ حضرة الرّسول صلّى الله عليه وسلم، وتحذير لهما من العود إلى مثله، واعلاما لهما بأنهما إذا لم يخلصا له كاخلاص آسية ومريم إلى الله تعالى لم ينتفعا من صحبته في الآخرة، وأن لا يتكلا على كونهما

<<  <  ج: ص:  >  >>