يوم القيامة يوم يقوم النّاس لرب العالمين مخلوقين خلقا ثانيا من أجزائهم لمتفتتة، ويعودون كما كانوا عليه في الدّنيا «ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ» في ذلك اليوم «بِما عَمِلْتُمْ» في دنياكم وتعلمون جهلكم بالخلق الأوّل أدى لجهلكم بالخلق الثاني «وَذلِكَ» البعث بعد الموت والإنباء بما كان منكم وعليكم في الدّنيا «عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» ٧ سهل
هين لا كلفة فيه، وكما أن خلقكم أول مرة بمجرد قول كن فكذلك تكون إعادتكم، وهي كلمة جزئية لا صعوبة فيها لو أنها تصدر من الخلق فكيف إذا صدرت من الخالق بلا صوت ولا حرف «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» الذي خلقكم أيها النّاس ثم أماتكم بأنه يحييكم ثانيا «وَرَسُولِهِ» الذي أرسله لهدايتكم آمنوا أيضا «وَالنُّورِ» أي الكتاب «الَّذِي أَنْزَلْنا» عليه كما أنزلنا على من قبله من الأنبياء آمنوا أيضا، إذ لا يكفي الإيمان بالله دون الإيمان برسوله وكتابه، كما لا يكفي الإيمان بالكتاب والرّسول دون الإيمان بمنزل الكتب ومرسل الرّسل «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(٨) لا يغرب عنه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض، واحذروا أيها النّاس «يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ» هو يوم القيامة إذ يجمع فيه الأولون والآخرون من أهل السّماء والأرض.
مطلب يوم التغابن في الآخرة وفتنة الأموال والأولاد في الدّنيا والأمر بالتقوى حسب الاستطاعة وذم البخل وفضل الصّدقة:
ذلك اليوم المسمى يوم الجمع هو «يَوْمُ التَّغابُنِ» الذي يظهر بالأعمال والأقوال الذي ما بعده تغابن، بخلاف تغابن الدّنيا الذي يكون بالتجارة وشبهها فإنه فان لا قيمة له، لأن هذا يضع الله تعالى به سعداء الدّنيا فقط منازل الأشقياء في الآخرة والأشقياء بالدنيا بسبب الفقر والفاقة والصّبر على الأذى فيها من أجل إيمانهم بالله ورسله الّذين ماتوا على ذلك مكان السّعداء في الآخرة، وإذ ذاك يظهر غبن الكافر بتركه الإيمان الموصل للسعادة الأخروية، فيتأسف ويندم ولات حين مندم، ويرد العود إلى الدّنيا ليعمل الخير وهيهات، وكذلك يظهر غبن المؤمن المقصر في الأعمال الصّالحة لأنه يرى من كان دونه في الدّنيا أعلى منه رتبة في الآخرة وأحسن مكانا ومكانة عند الله وأعلى درجة في الجنّة، فيندم أيضا على تقصيره