فيما يتعلق في هذا البحث، وفيهما ما يرشدك لمراجعة غيرهما من المواضع. قال تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» كرر الفعل تأكيدا وإعلاما بأن طاعة أحدهما لا تغني عن طاعة الآخر وعدم قبول إحداهما بغير الأخرى «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ» أيها النّاس عن هذه الطّاعة، فالوبال على أنفسكم في الدّنيا والآخرة «فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ»(١٢) فقط وقد بلغ ونصح وأرشد وأنذر وأعذر وقام بكل ما كلف به، وليس عليه أن يقسركم على الأخذ بقوله والاقتداء بفعله، بل بل يترككم وشأنكم، فاعملوا أيها النّاس الخير وتيقنوا أن ربكم «اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» لا رب غيره ولا معبود سواه، هو المحيي المميت الضّار النّافع، فآمنوا به وأطيعوه «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»(١٣) في جميع أمورهم وهو يهديهم إلى سواء السّبيل الموصل إلى جنته، ومن يتوكل على الله فهو حسبه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ» لفظ من هنا للتبعيض، لأن منهم أولياء لهم أودّاء بارّين بهم مقسطين لهم يأمنونهم كأنفسهم وإن منهم «عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» من أن يوقعوا فيكم أذى، وأنتم غافلون عنهم محسنون الظّن بهم، وذلك بسبب ما بأيديكم من حطام الدّنيا وهذه الآية عامة مستمرة شاملة ما قبلها وبعدها إلى يوم القيامة. وسبب نزولها أن رجالا منعهم أزواجهم وأولادهم من الغزو في سبيل الله خوفا من أن يقتلوا ويتركوهم وان رجالا أسلموا ومنعهم أزواجهم وأولادهم من الالتحاق برسول الله، فحذرهم الله من طاعتهم، ولما جاءوا أخبروا عند نزول هذه الآية بأن إخوانهم الّذين هاجروا قبلهم تفقهوا في الدّين، فهموا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فأنزل الله هذه الآية وأردفها بقوله «وَإِنْ تَعْفُوا» عنهم «وَتَصْفَحُوا» عما وقع منهم «وَتَغْفِرُوا» زلتهم هذه «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لكم ولهم ولكل من ينيب إليه ويستغفره «رَحِيمٌ»(١٤) بعباده يحب العفو عنهم. تحذر هذه الآية من الرّكون إلى الأزواج والأولاد، فعلى العاقل يكون شديد الحذر من غير الصّالحين من ان هذين الصّنفين، فإن كثيرا من الزوجات والأولاد قتلوا أزواجهم وآبائهم بقصد التزوج بغيره والاستيلاء على ماله ولا سيما في هذا الزمن ولا حول ولا قوة إلا