للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منك قبله وانطماس ما سيفرط منك بعده من كلّ ما تعده ذنبا بالنسبة لمقامك الكريم وإلّا فإن الله قادر على أن يفتح لك البلاد ويخضع لك العباد دون غزو أو جهاد ولكن ليكون سنة لمن بعدك ويكون ثوابه كفارة للذنوب لهم أيضا. وقد بينا ما يتعلق في ذنوب الأنبياء في الآية ١٦ من سورة البقرة المارة. وفيها ما يرشدك إلى المواقع الأخرى التي فيها هذا البحث «وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ» بفتح البلاد الأخرى وينصرك على كلّ من يناوئك، ويظهر دينك على سائر الأديان، ويمكنك في البلاد والعباد «وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً» (٢) في جميع أمورك الحاضرة والمستقبلة كما هي الحال فيما مضى من أمرك لتكون ظاهرا دائما «وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً» (٣) لم يسبق له مثيل وحيد في نوعه فريد في بابه لا ذلّ ولا خذلان بعده أبدا «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» فملأها طمأنينة وثباتا ووقارا حتى ساروا معك جميعهم فلم يتخلف عنك إلّا من أذنته بالتخلف، إذ لم يقع في هذه الغزوة معارضة ما من أحد، بل كان كل منهم منقادا عن شوق ورغبة وحزم «لِيَزْدادُوا إِيماناً» ويقينا وصبرا وطاعة «مَعَ إِيمانِهِمْ» الذي هم عليه. وكأن قائلا يقول كيف نصره الله مع قلة عدده وعدده بالنسبة إلى أعدائه؟ فقال تعالى جل قوله «وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لا يكاثر ولا يغالب ولا يقابل إذ يجعلهم عونا للمؤمنين على أعدائهم ويكثر سوادهم ويقلل أعدائهم بأعينهم «وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً» بجنوده الموجودين فيهما وكثرتهم وقوتهم «حَكِيماً» (٤) في نصر نبيه وأصحابه على أعدائهم بإراءتهم القليل كثيرا لإيقاع الرّعب والخوف والذل في قلوب أعدائه، وإذا أراد أرسل صاعقة تدمرهم أو صيحة من أحد ملائكته تقصف قلوبهم فتميتهم حالا، أو يخسف بهم الأرض أو يغرقهم في الماء فيهلكهم عن آخرهم، كما فعل بالأمم السّابقة، وهو القادر على إلقاء الرّعب في قلوب أعدائه والجبن والخوف من أوليائه، ويلقي الثبات في قلوب المؤمنين فيبيدوا أعداءهم مهما كانوا، وهو القادر على إبادة الكفار بما أراد من عذاب دون سبب، ولكنه أراد أن يقهرهم ويهلكهم بصورة ظاهرة بواسطة جيشه المبارك الذي تسلح بقوة اليقين ومتانة الايمان ووقاية العزم وحماية الحزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>