ولد بعد بلوغ آدم مئة وثلاثين سنة، وبعد قتل هابيل بخمسين سنة، واسمه هبة الله بالعربية لأنه خلف عن هابيل، وعلمه الله ساعات اللّيل والنّهار، وأنزل عليه خمسين صحيفة، وصار وصي آدم من بعده وولي عهده، قالوا وبعد أن عرف آدم أن قابيل قتل هابيل طرده وشرّده وهدده بالقتل إن بقي، فأخذ أخته أقليما وهرب إلى عدن خوفا من القتل الذي سنّه في الأرض، فتصور له إبليس وقال له إنما أكلت النّار القربان الذي قربه أخوك لأنه كان يعبدها، فبنى له بيتا وأوقد فيه نارا وصار يعبدها من دون الله، فهو أول من عبدها، وأول من سنّ القتل على وجه الأرض، وأول من خالف أمر الله بتزوجه أخته الشّقيقة، واقتدى به من بعده بهذه الخصال القبيحة، فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة ثم انتقم الله منه إذ مات برمية من ابن له أعمى، فقال له ابنه قتلت أباك فلطمه وقتله أيضا، قال صلّى الله عليه وسلم بشر القاتل بالقتل. قتلوا واتخذ أولاده من بعده آلات الطبل والمزامير وانهمكوا في الملاهي والمعاصي ولم يزالوا حتى أغرقهم الله بالطوفان فلم يبق من نسله أحد. قال تعالى «وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ» الواضحات من اخبار من قبلهم فلم يتعظوا بها «ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ» الذي كتبناه عليهم من التشديد في عقاب القاتل وشرعنا القصاص على جميع الخلق، وبالغنا فيه بحقهم بان جعلنا قتل النّفس الواحدة كقتل الجميع، ولم ينجح بهم ولم يزالوا وهم «فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ»(٣٢) أي أكثرهم متجاوزون الحد في العصيان ودائبون على اخلاف الوعد ونقض العهد في حق الله تعالى، واستحلوا محارمه وحرموا ما أحله لهم، فلأن يخالفوا أمرك يا سيد الرّسل من باب أولى لأنهم قتلوا طائفة من الأنبياء بغير حق، وهم الآن يترصدون لقتلك مع أنهم مأمورون باتباعك، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفن من دمها لأنه أول القتل من سنّ سنة وقال صلّى الله عليه وسلم من سن سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.