للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل القبض عليهم كفرة فلا يطالبون بالقصاص لما ذكرنا من أن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تدرا الحدود الواجبة حال الكفر، وذلك ليكون داعيا للاسلام، وإذا علم أنه مطالب بما فعل حال كفره، بعد الإسلام لا يسلم. وحكم هذه الآية عام ومستمر الى يوم القيامة وإن نزولها بحق جماعة مخصوصين كان شأنهم ذلك لا يقيدها بهم ولا يخصصها فيهم، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن أناسا من عكل وعرينة قدموا على النّبي صلّى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، فقالوا يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة. فأمر لهم صلّى الله عليه وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعى النّبي صلّى الله عليه وسلم واستاقوا الذود، فبلغ ذلك النّبي صلّى الله عليه وسلم فبعث الطّلب في أثرهم فحلقهم وأخذهم، فاعترفوا لحضرة الرّسول بجرمهم، ولم يبدوا عذرا يدرا الحد عنهم، فسمروا أعينهم وقطعوا أيديهم وأرجلهم وتركوا في ناحية الحرة (محل بظاهر المدينة تحت واقم) حتى ماتوا على حالهم.

قال قتادة بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يحث على الصّدقة وينهى عن المثلة، زاد في رواية قال قتادة فحدثني بن سيرين أن ذلك قبل أن تنزل الحدود قال أبو تلابة فهؤلاء قوم كفروا وقتلوا وسرقوا بعد ايمانهم وحاربوا الله ورسوله فأنزل الله فيهم هذه الآية وصار العمل عليها حتى الآن والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا وينبغي صلب مثل هؤلاء المفسدين على الطّريق العام ليكون أبلغ في الزجر، ويختار الحبس على النّفي إذا تيقن أنه يؤذي في المحل الذي ينفى اليه، وإذا تاب هؤلاء المفسدون بعد القبض عليهم فلا تقبل توبتهم لأنها لا تكون خالصة بل للتخلص من الحد وهي توبة لا قيمة لها كالتوبة حال اليأس، لذلك يجب أن تقام عليهم الحدود المذكورة في هذه الآية، قالوا إن داود باشا حاكم العراق في القرن الثاني عشر للهجرة قد اشتهر بالعدل والتقوى وأعمال الخير وأفعال البر وإنشاء الجسور وإصلاح الطّرق وعمارة البيوت للفقراء وبناء المساجد والجوامع والتكايا، وصار يصرف جميع واردات العراق في هذه الجهات وشبهها، وكان له خادم فقتل نفسا فأمر بقتله، فاختفى ثم دخل عند الشّيخ خالد النّقشبندي ذي

<<  <  ج: ص:  >  >>