وسعته عقولهم، ولأدى ذلك إلى عدم إيمان بعضهم، ولو سمعوا منه ما هو أقرب من ذلك للعقل لو صموه بالسحر والكهانة ولم يصدقوه، اللهم عدا خواص الأصحاب كأبي بكر رضي الله عنه إذ صدقه بالإسراء وما رآه فيه، والمعراج وما وقع له فيه وهو أعظم من هذا، ولذلك سمي الصّدّيق، وقد ارتد بعض النّاس حينما قص عليهم ما كشف له في الإسراء والمعراج، مع أنه أظهر لهم الدّلائل عليه، فكيف لو أباح لهم بما هو من هذا القبيل؟ قالت عائشة: كان صلّى الله عليه وسلم يحرس فلما نزلت هذه الآية استغنى عن الحراسة. وروى البخاري ومسلم عن عائشة قالت سخر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مقدمة المدينة ليلة، فقال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسنى اللّيلة، قالت فبينما نحن كذلك سمعت خشخشة السّلاح، فقال من هذا؟
قال سعد بن أبي وقاص، فقال له صلّى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ فقال وقع في نفسي خوف على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجئت أحرسه، فدعا له صلّى الله عليه وسلم ثم نام. ويدل هذا الحديث على صلاح المؤمى إليه وكونه من أهل المعرفة والكشف وهو كذلك، وهو من عرفت حادثته مع أمه في إسلامه، وقد بشره الرّسول بالجنة، إذا فلا ينكر على بعض السّادة الصّوفية العارفين ما يخبرون به من هذا القبيل أسوة بذلك والله تعالى واسع الفضل يمن بما يشاء على من يشاء من عباده، وهو الجواد الكريم. أخرج في الصّحيحين عن جابر رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذات الرّقاع فإذا أتينا شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين (وقال البخاري هو غورث بن الحارث) وسيف رسول الله معلق بالشجرة، فاخترطه، فقال تخافني؟ فقال لا، فقال من يمنعك؟ قال الله، فتهدده أصحابه وعصمه الله كما عصمه من الحوادث التي ذكرناها في الآية ١١ المارة، كيف وقد قال تعالى (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) قال تعالى «قُلْ» يا سيد الرّسل لهؤلاء المكابرين من اليهود والنّصارى «يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ» يعتد به من الدّين ولستم على شيء مما تدعونه مما جاءكم به موسى وعيسى عليهما السّلام لأنكم غيرتم وبدلتم، وإنما أنا بريء مما أحدثتموه بعدهما في أمر دينكم «حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» كما أنزلا، وتعملوا بما فيهما حقيقة، وترجعوا عن كل