يغلّط أحدا ولا ينتقد كلاما. «وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ» إيمانا مخلصا «بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» وثبت على إيمانه «وَعَمِلَ صالِحاً» معه وآمن بمحمد صلّى الله عليه وسلم لأن الإيمان لا يتم إلّا به وماتوا على هذا الإيمان الجامع «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» في هذه الدّنيا «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) » على مافاتهم فيها في الآخرة لما يرون من نعيمها الدّائم لأنه ينسيهم الدّنيا وما فيها. وإنما خص اليوم الآخر في هذه الآية لأن الايمان به بعد الايمان بالله ورسوله
وهو أشرف الإيمان، ومن لم يؤمن به لا يسمى مؤمنا، وإن أهل الملل السّت المبينين في الآية ١٧ من سورة الحج المارة ليسوا على شيء إذا لم يؤمنوا به مع الإيمان بالله ورسوله وكتبه، لأنه أحد أصول الدين الثلاثة التي لا يقبل الإيمان إلّا بها، وقراءة كلمة الصّابئين بالرفع على الابتداء هي قراءة الجمهور من القراء وجارية على نيّة التأخير، أي والصّابئون كذلك إذا آمنوا، فقدم المبتدأ وحذف الخبر على حد قوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيّار بها لغريب
أي فإني لغريب وقيار كذلك، وإنما كان رفع الصّابئين مع أن الحالة تقتضي نصبها لأنهم أشد الفرق ضلالا، وسموا صابئين لأنهم خرجوا عن كلّ الأديان إلى اتباع هواهم وشهواتهم. وحبا بمعنى خرج، وقد ذكرنا أن صاحب شذور الذهب أرى العطف على محل أن الّذين إلخ. وقال غيره لا يصح هذا العطف ولا يجوز ارتفاع الصّابئين بالعطف على محل ان واسمها، وعلى قوله بأن العطف على المحل يصح إذا فرغ من الخبر فيجوز أن تقول أن زيدا منطلق وعمرو بالعطف على محل أو اسمها، ولا يجوز أن تقول أن زيدا وعمرو منطلقان، وقرأ أبي بن كعب وابن كثير بالنصب تخلصا من هذه الإشكالات، وهم إنما قرأوها بالتلقي لا من أنفسهم، ولذلك ينبغي قراءتها على ما هي عليه. ونظير هذه الآية الآية ٦٢ من البقرة المارة وما يقاربها في المعنى الآية ١٧ من سورة الحج بزيادة المجوس والمشركين قال تعالى «لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ» على العمل بالتوراة وامتثالهم أمر رسولهم «وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا» بعد موسى وهرون لا قامة أحكامها، فنقضوا الميثاق وصاروا لشدة تعنّدهم وكثرة تعنتهم «كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ