للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشرفت بزيارته رضي الله عنه، وسميت البلدة التي دفن بها باسمه، وهذا أيضا من معجزات سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم وإخباره بالغيب الذي أطلعه الله عليه. واذكر لقومك يا سيد الرّسل «إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ» خوانا عليه طعام إذ لا يسمى الخوان مائدة إلّا وعليه الطّعام، وإلّا فهو خوان أو سفرة أو طبق أو طاولة «قالَ» عيسى عليه السّلام «اتَّقُوا اللَّهَ» يا قوم في سؤالكم هذا، لأنه اقتراح على الله، وقد علمتم ما فعل الله بالمقترحين عليه، لأن طلبكم هذا بعد ظهور المعجزات المذكورة، وبعد وجودي أنا من غير أب، وهو أكبر معجزة عبارة عن تعنّت يستوجب غضب الرّب عليكم، فانتهوا عن هذا يا أصحابي وتدبروا العاقبة وخذوا عبرة من الّذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات كيف فعل الله بهم، فأعرضوا عن هذا «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (١١٢) بالله وإياكم أن تركنوا إليه، واعلموا أنكم إذا أصررتم على هذا تكونون ممن يشك بقدرة الله القادر على إجابة طلبكم. وإنما خوفهم وحذرهم لأن هذا لم يسأله أحد من الأمم قبلهم، وانه مما تخشى عاقبته، لأن قوم صالح اقترحوا على نبيهم شيئا لم يقترحه أحد قبلهم، فكانت عاقبتهم الدمار، قال بعض المفسرين إن طلبهم هذا جاء على حد قوله تعالى فيما حكاه عن إبراهيم عليه السّلام (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) الآية ٢٦٣ من البقرة المارة، لأنهم كانوا عارفين بالله مقرين بكمال قدرته على أنه لا مانع من إجراء الآية على ظاهرها كما يؤيده قوله تعالى «قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها» حيث لحقنا الجوع والحال ليس بهم من جوع ولكن يريدون معرفة حق اليقين بعد أن علموا من نبيهم علم اليقين، ومما يدل على عدم وجود الجوع أمرهم بالصيام كما سيأتي «وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا» بقدرة الله فنزداد يقينا «وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا» عيانا ومشاهدة كما علمناه غيبا واستدلالا «وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ» (١١٣) لمن وراءنا من بني إسرائيل ولله بكمال القدرة ولك بالقرب من ربك أكثر ممن تقدمك من الرّسل ولأنفسنا بالتصديق البالغ، فلما رأى إصرارهم وإجماع كلمتهم على ذلك أمرهم عليه السّلام بصيام ثلاثين يوما وقال لهم إذا أفطرتم بعدها فلا تسألوا الله شيئا إلّا أعطاكم إياه، ففعلوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>