بالقتال «أَوَّلَ مَرَّةٍ» حينما كنتم في مكة وأخرجوكم منها صاغرين حتى هاجرتم إلى الحبشة والمدينة ولم يمكنوكم من دخول مكة يوم الحديبية وقالوا يوم بدر لا ننصرف حتى نستأصل محمدا وأصحابه وقاتلوا حلفاءكم من بني خزاعة «أَتَخْشَوْنَهُمْ» الآن أيها المؤمنون وتنسون مساويهم القديمة معكم بعد أن منّ الله عليكم بما منّ من الفتوحات والقوة والكثرة في المال والرّجال وتتأخرون عن قتالهم، ولا يكون منكم هذا أبدا، وهذا التنبيه المصدر في هذه الآية ينمّ بالتوبيخ والتقريع على من يتمنع عن قتالهم ويحث على الانتقام منهم بعد أن أجاز الله ذلك لهم «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ» في مخالفة أمره في ترك قتالهم، كلا لا تخشوهم أبدا واخشوا الله الذي سينصركم عليهم. ولا يرد على هذا قوله تعالى (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) الآية ٢٣ من سورة الأنفال المارة، لأن المراد فيه عذاب الاستئصال وهو يشمل المذنب وغيره والمخالف والموافق، أما عذاب القتل المقصود في هذه الآية فإنه لا يتعدى إلى غير المذنب المخالف، بل هو مقصور عليها فاعلموا ذلك «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(١٣) به إيمانا كاملا ثم حثهم على القتال فقال «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ» لتشفّوا منهم «وَيُخْزِهِمْ» بالأسر والسّبي «وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ» بالقتل والجلاء «وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ»(١٤) من داء الأذى الكامن في صدورهم مما كانوا ينالونه منهم قبلا، وهذه الآية عامة في جميع الكفار، ونزولها في خزاعة التي تعدت عليها قبيلة بني بكر وأعانتها قريش عليها خلافا لعهد الحديبية المار ذكره في الآية ١١ من سورة الممتحنة المارة لا يخصصها فيهم ولا يمنع إطلاقها وشمولها لغيرهم، لأن في قتل هؤلاء الكفرة أخذا لثأرهم وظفرا للمؤمنين عامة وسببا لقوة اليقين وثبات العزيمة «وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ» الوجد الذي كان فيها عليهم بما يحل فيها من الفرح العظيم والسّرور الجسيم بانجاز وعد الله تعالى لهم بالنصر والفوز «وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ» منهم يقوى إيمانه إذا تاب وأناب. وبعد نزول هذه الآية أسلم ناس كثيرون منهم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بمن سيقت له العناية بالهداية «حَكِيمٌ»(١٥) بما يفعل بعباده وما يأمرهم به وينهاهم عنه. قال تعالى «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا»