للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمع قوله «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ» أبي بكر رضي الله عنه الذي من أنكر صحبته فقد كفر لجحده ما نص الله عليه في كتابه. روى البخاري ومسلم عن أبي بكر قال نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على روسنا، فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وقد بقينا فيه ثلاثا بحمى الله فقط وخفارة ملائكة الكرام.

ولما ضاق ذرع أبي بكر أنزل الله على رسوله قوله جل قوله يا محمد قل لصاحبك «لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» ومن كان الله معه لا يخاف ولا يحزن ولا ينبغي له أن يضيق صدره مما يقدره عليه «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ» أمنه وطمأنينته «عَلَيْهِ» وعلى صاحبه «وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها» وهم الملائكة الّذين تولوا حفظهما وصرفوا وجوه الكفار عنهما في الغار، فلم يروهما مع وقوفهم عليهما، لما رأوا من أعشاش الحمام ونسج العنكبوت وكأنها قديمة مما أيقنهم أنه لم يكن في الغار أحد، ولم يدخل إليه من عهد قديم، وكذلك كلأه ورفيقه حينما خرجا من الغار وأعمى المشركين عنهم وفعل ما فعل بسراقة كما بيناه في قصة الهجرة المندرجة آخر الجزء الثاني، فراجعها، وقد أيده بهذه الجنود أيضا في حوادث بدر والأحزاب وحنين وأحد بعد الهزيمة «وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» لأنها مدعاة الى الكفر به «وَكَلِمَةُ اللَّهِ» بالرفع والواو فيها للحال وقرأ بعضهم كلمة بالنصب عطفا على كلمة الأولى وليست بشيء، وقراءة الرّفع أولى وأبلغ لأن كلمة الله عالية ولا تزال عالية سامية، وهي نداء للاسلام ودعاء للإيمان ولذلك فإنها «هِيَ الْعُلْيا» في الماضي والحال والاستقبال إلى الأبد إن شاء الله «وَاللَّهُ عَزِيزٌ» غالب قوي على أعلائها ودوامها ورفعة شأنها وشأن الإسلام على غيرهم «حَكِيمٌ» (٤٠) بإعلاء كلمته وإعظامها وإذلال كلمة الكفر وإدنائها، فيعلي الإيمان وأهله بعزته، ويهين الكفر وملته بعظمته، قال الزهري: لما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الغار أرسل الله زوجا من الحمام فباضتا في أسفل النّقب ونسجت العنكبوت بيتا. وقال صلّى الله عليه وسلم اللهم أعم أبصارهم، فجعل الطّلب يضربون يمينا وشمالا

<<  <  ج: ص:  >  >>