الفسقة «كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ» في الباطل والكذب على الله ورسوله وعلى النّاس أجمع «كَالَّذِي خاضُوا» من الاستهزاء والسّخرية بهم وبأتباعهم وتعديتم عليهم بأنواع المنكرات، والذي هنا واقع صفة لموصوف محذوف مصدر دل عليه الفعل المذكور قبله، أي كالخوض الذي خاضوه «أُولئِكَ» الّذين هذه صفتهم من أولئك الفجار «حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ»(٦٩) في الدّارين. واعلم أن تأويل لفظ الذي على ما مشينا عليه أحسن وأولى من قول من قال بإسقاط الذي أي أصله الّذين، وعليه فيكون المعنى وخضتم كالّذين خاضوا، لأن التشبيه هنا للخوض لا للحائض، تدبر. وأليق وأرضى من قول من قدر لفظ فوج أي كالفوج الذي خاضوا، إذ لا ذكر له تأمل. واعلم أن ما وقع في هذه الآية من تكرار بعض الألفاظ قد وقع تأكيدا للقول وتبكيتا بالمخاطبين به، وتقبيحا لأعمالهم وأعمال من شبهوا بهم، وتقريعا بأفعالهما. روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لتتبعنّ سنن الّذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنّصارى؟ قال فمن دونهم. أي الكفار والمجوس كما مر في الخبر آنفا أو ممن غيرهم، ثم التفت من الخطاب إلى الغيبة تفننا في القول ليعلم عباده ذلك فقال جل شأنه «أَلَمْ يَأْتِهِمْ» أي هؤلاء المنافقين «نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم الماضية «قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ» قوم هود «وَثَمُودَ» قوم صالح «وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ» قوم شعيب «وَالْمُؤْتَفِكاتِ» قوم لوط عليهم السّلام حين «أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ» وكذبوا بها فأهلكناهم بالغرق والرّيح العقيم والرّجفة والصّيحة والبعوضة والظّلمة والقلب والرّحم، وإنما خص الله تعالى هذه الأقوام دون غيرهم الكثيرين لأن آثارهم باقية في بلادهم الشّام والعراق واليمن، ولأنهم يمرون عليها ذهابا وإيابا عند أسفارهم للميرة والتجارة وغيرها، ويعرفون أخبارهم المتناقلة عن أسلافهم، وكيفية إيقاع العذاب بهم واستئصالهم من وجه الأرض على حين غفلة وبسرعة لم يقدروها. قال تعالى «وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ» بما أوقعه فيهم من العقوبات