ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب
«فَإِنْ يَتُوبُوا» هؤلاء المنافقون، توبة نصوحا عما سلف منهم ولا يعودوا إليها، ويرجعون إلى الإيمان الخالص بالله وتصديق رسوله «يَكُ خَيْراً لَهُمْ» في الدّنيا والآخرة «وَإِنْ يَتَوَلَّوْا» عن التوبة ويعرضوا عن الله ورسوله ويصروا على كفرهم ونفاقهم، فلا يرجعون إلى الله، فإنه «يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا» بالذل والهوان والقتل والسّبي والأسر والجلاء «وَالْآخِرَةِ» بالعذاب الشديد الدّائم «وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ» شرقها ولا غربها «مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ»(٧٤) يحميهم وينصرهم ويحفظهم من ذلك ولا من يمنعهم من إيقاع أحد العذابين بهم، بل لا بد من وقوعها بهم وأن في الأرض للجنس، فتشمل الدّنيا كلها وأرض الآخرة أيضا. ولما نزلت هذه الآية جاء الجلاس بن سويد وقال يا رسول الله أسمع الله قد عرض عليّ التوبة وأنا أستغفر الله، وإن عامرا قد صدق بما قال على ما صدر مني وهو قوله في الآية ٩٢ المارة، فقبل توبته وحسن حاله.
وهذا من كرم أخلاقه صلّى الله عليه وسلم ومن شأنه الكرام الّذين تأسوا به، أدام الله الكرام.
الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس، وأين هم الآن، يا حسرتاه!
ولما شاب رأس الدّهر حزنا ... لما قاساه من فقد الكرام
أقام يميط عنه الشّيب غيظا ... وينثر ما أماط على الأنام
ولكن النّاس يا أسفاه كزمانهم. قال المعري:
ألا إن أخلاق الفتى كزمانه ... فمنهن بيض في العيون وسود
فلا تحسدن يوما على فضل نعمة ... فحسبك عارا أن يقال حسود
وقول الآخر:
مضى زمن وكان النّاس فيه ... كراما لا يخالطهم خسيس
فقد دفع الكرام إلى زمان ... أخسّ رجالهم فيهم رئيس
تعطلت المكارم يا خليلي ... فصار النّاس ليس لهم نفوس
فقد مات الكرام ولم يبق إلّا تغني النّاس بمكارمهم، ولم تبق خلة صادقة، ولا