بفيض دمعها «حَزَناً» على عدم خروجهم معك بسبب «أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ»(٩٢) للتأهب معك والواو هنا للحال أي تولوا والحال أن أعينهم إلخ. ثم ان العباس وعثمان ويامين بن عمرو لما رأوا تأثرهم تمكنوا من تجهيز جملة منهم وذهبوا مع حضرة الرّسول. أخرج ابن أبي حاتم والدّارقطني في الأفراد عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزلت براءة، واني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه، إذ جاءه أعمى. فقال كيف يا رسول الله وأنا أعمى؟ فنزلت (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى) الآية. ونقل الطّبراني عن محمد بن كعب وغيره، قالوا جاء أناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستحملونه فقال ما قصه الله في الآية. وهذا شامل لقول من قال إنها نزلت في البكائين السبعة: سالم بن عمير وهو من بني عمير وعبد الرّحمن بن كعب أبي يعلى وسلمان ابن صخر وعبد الرّحمن بن زيد الذي تصدق بعرضة- بفتح العين والضّاد- وعمرو ابن خيثمة وعبد الله بن عمرو وغيرهم الّذين ذكرهم البغوي، والثلاثة الّذين ذكرهم مجاهد، أو العرياض بن سارية. قال تعالى «إِنَّمَا السَّبِيلُ» طريق اللّوم والعقوبة والمؤاخذة «عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ» أقوياء قادرين الّذين «رَضُوا» رغبة منهم «بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ»(٩٣) حقيقة ما أعده الله للمجاهدين في الدّنيا والآخرة، وقبح ما اختاروه، ووخامة عاقبته في الدّارين. قالوا ولما وصل صلّى الله عليه وسلم تبوكا لم يرقها أحد من الرّوم، فاستنار أصحابه بمجاوزة تبوك، فقال عمر إن كنت أمرت فسر، فقال لو أمرت لم أستشر. وهناك جاءه يوحنا صاحب إيلياء ومعه أهل جرباء واذرح ومتينياء من بلاد الشّام، فصالحوه على الجزية، وكتب لهم كتاب أمان لهم ولأموالهم ما داموا على العهد. وبعد مضي عشرين يوما أقاموها بتبوك للراحة من وعثاء السفر رجعوا إلى المدينة. وان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى مساجد في طريقه من تبوك إلى المدينة ووصلوا إليها سالمين، وامتدحه العباس رضي الله عنه بقصيدة مشهورة مطلعها: