بسيب بعدهم عن سماع القرآن وأحاديث الرّسول ومواعظ العلماء، لذلك قال تعالى وأخلق «أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ» من الأحكام والأخلاق والآداب والأمثال والقصص الموجبة للاتعاظ والاعتبار «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بأحوال عباده كلهم «حَكِيمٌ»(٩٧) بهم ميسر كلا لما خلق له ومعط كلا ما يستحقه.
واعلم أن الأعراب هم الّذين يتبعون في البوادي مساقط الغيث ومنابت الكلأ، يخيّمون هنا يوما، وهنا أياما بحسب وجود الماء والمرعى، ويقال للواحد منهم أعرابي مفرد أعراب ومن استوطن القرى والمدن يقال له عربي مفرد عرب، وعليه فإن المهاجرين والأنصار من العرب لا من الأعراب، وإنما وصفهم الله بالكفر والنّفاق لكثرة تصلّبهم بهما وبعدهم عن معرفة حقيقة الإسلام مع ما هم عليه من كرم وشجاعة، وإقراء الضّيف وإغاثة الملهوف ومعونة ذي الحاجة والمروءة والغيرة، وأوصاف أخر قد لا يتحلى بها كثير من النّاس لا كما يقوله البعض بأنهم أجلاف كلا بل أشراف، ولكن مع الأسف لا حظ لهم في الآخرة إذا لم يؤمنوا.
قال تعالى «وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ» من الصّدقات الواجبة عليه بمقتضى الدّين الحق «مَغْرَماً» يعدها كغرامة وهي التزام ما لم يلزم، فلا يعتقد وجوبها وهي أحد أركان الإسلام، ولا ثوابها ولا يعطبها إلّا خوفا أو رياء «وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ» أيها المؤمنون «الدَّوائِرَ» تقاليب الزمن بما يحوك في صدورهم من الحقد عليكم بسبب أخذ الصّدقة منهم، وينقلبوا عليكم فينتقموا منكم عند أول سانحة، ولذلك فإنهم يتحينون الفرص السّيئة لينقضوا عليكم ولكن «عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ» تدور وينقلب الزمن بسوء عليهم لا عليكم، فلا يرون فيكم إلّا ما يسوءهم، ولا ترون فيهم إلّا ما يسركم «وَاللَّهُ سَمِيعٌ» لما يقولونه فيكم أسرّوا فيه أم جهروا «عَلِيمٌ»(٩٨) بما ينوون من السّوء عليكم ويتمنون وقوعه فيكم، نزلت هذه الآيات في أعراب أسد وغطفان وتميم، ثم استثنى منهم جماعة بقوله جل قوله «وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ» من الصّدقات «قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ» لأنهم يعطونها عن طيب نفس «وَصَلَواتِ الرَّسُولِ» أدعيته صلّى الله عليه وسلم لهم يتخذونها أيضا