فالمال الذي يوفق صاحبه لهلكته بالخير لا أحسن منه إلّا الدّين الصّحيح، وقيل فيه:
ولم أر بعد الدّين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر
وما الفرق بين حلال المال وحرامه إلّا أن الأوّل يدل على الجد والعمل والثاني يدل على الغش والكذب. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أرأيتم ان كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من تميم وبنى أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة؟ فقال رجل: خابوا وخسروا، قال نعم هم خير من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر ابن صعصعة. ورويا عنه أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها.
ورويا عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار مواليّ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله. وإنما مدح هؤلاء حضرة الرّسول لكمال يقينهم وحسن نيتهم وصدق عقيدتهم وأدائهم زكاة أموالهم طيبة بها أنفسهم. قال تعالى «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ» فسلكوا سبيلهم بالإيمان واقتفوا آثارهم بالأعمال الصّالحة إلى يوم قيامتهم على هذا الشّرط الذي شرطه الله عليهم، فهؤلاء «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» بحسن نيّاتهم وبما أنعم الله عليهم من خيره الفيّاض «وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ» الفضل الذي منحهم الله إياه هو «الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(١٠٠) من الرّب العظيم والفلاح الجسيم والنّجاح الذي ما بعده نجاح، وهؤلاء هم الّذين صلّوا إلى القبلتين وأهل بدر وأهل بيعة الرّضوان، ويدخل في عموم الآية جميع الأصحاب نسبيّا، وتشمل من حذا حذوهم أيضا، أما من لم يتبعهم بإحسان ولم يقتف آثارهم فليس منهم، ولا ينال ما نالوه، ولا يدخل في عدادهم، والنّاس بعدهم مراتب. واعلم أن أول من آمن به صلّى الله عليه وسلم من النّساء خديجة الكبرى رضي الله عنها، ومن الصّبيان علي كرم الله وجهه ورضي عنه، ومن الرّجال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ومن الأرقاء بلال وزيد بن حارثة رضي الله