من تعليم الله إياه وإخباره له بواسطة أمينه جبريل عليه السّلام. قال الكلبي قام النبي صلّى الله عليه وسلم خطيبا يوم جمعة فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج أناسا من المسجد وفضحهم ولم يك عمر شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له، فلقيهم وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء، لأنه لم يشهد الجمعة، وظن أن النّاس قد انصرفوا واختبأوا هم منه أيضا، إذ ظنوا أنه قد علم بأمرهم خجلا من أن يراهم، فدخل المسجد فإذا بالناس لم ينصرفوا، فقال له رجل أبشر يا عمر فإن الله قد فضح المنافقين اليوم- أخرجه ابن أبي هاشم والطّبراني في الأوسط عن ابن عباس- وفي رواية ابن مردوية عن أبي مسعود الأنصاري أنه صلّى الله عليه وسلم أقام في ذلك اليوم وهو على المنبر ستة وثلاثين رجلا، ثم بين القسم الثاني بقوله «وَآخَرُونَ» من مسلمي المدينة الّذين تخلفوا عن الرّسول بشائبة النفاق، فلم يخرجوا معه إلى تبوك «اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» أمام حضرة الرّسول عند رجوعه وأظهروا له النّدم والأسف على ما وقع منهم، ولم يتقدموا بمعاذير واهية مختلفة كالأولين، فهؤلاء بفعلهم هذا وبيانهم الواقع طوعا منهم يعدّون قد «خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً» وهو خروجهم مع حضرة الرّسول في الغزوات السّابقة وصدقهم فيها وندمهم على عدم ذهابهم مع الرّسول في هذه الغزوة ندامة حقيقة «وَآخَرَ سَيِّئاً» وهو تخلفهم عنه في هذه الغزوة وموافقتهم المنافقين على عدم الخروج معه قبلا، وهؤلاء لم يكن الله ليضيع أعمالهم السّابقة الصّادقة، ولذلك قال جل قوله «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» لسابق فعلهم الحسن وتحسين نيتهم والتمني من الله تعالى للتحقيق، لأن اعترافهم برضاهم دليل على صدق نيتهم.
وتشير هذه الآية على قبولهم، ولذلك لم يذكر الله ما يدل على عقابهم. روى الطبري عن ابن عثمان قال: ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية، وذلك لأن ظاهرها يفيد أن مجرد عمل صالح وجد من الإنسان مع أعمال سيئة يرجى له الخير، وقد لا يخلو مسلم من عمل خير مهما كان شريرا والحمد لله، راجع الآية ٦ من سورة الرّعد المارة وما ترشدك إليه من المواضع ترشد لما تريد، واعلم أن الخلط هنا عبارة عن الجمع المطلق كاختلاط النّاس والأواني وغيرها بعضها ببعض،