من المسلمين الّذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهو أوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام وأبو لبابة بن عبد النّور وغيرهم، وهم دون العشرة وأكثر من الخمسة، وقد قال بعضهم لبعض أنكون من الضّلال ومع النّساء ورسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه في الجهاد واللّأواء (أي الشّدة) ، فلما قرب مجيء الرّسول إلى المدينة أرثفوا أنفسهم في سواري المسجد وقالوا والله لبقين حتى يطلقنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما مر بهم قال من هؤلاء؟ قالوا الّذين تخلفوا عنك عاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى ترضى عنهم، قال وأنا أقسم أن لا أطلقهم حتى أومر، فأنزل الله الآية الأولى فأطلقهم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلّفتنا عنك وتصرف بها واستغفر لنا، قال ما أمرت أن آخذ منها شيئا، فأنزل الله الآية الثانية، فأخذ ثلثها وتصدق به كفارة لذنوبهم. وهذا مما يؤيد أن المراد في هذه الآية غير الزكاة الواجبة التي قال بها بعض المفسرين لأن تلك لها قدر معلوم، ولأن الزكاة فرضت في السّنة الثانية من الهجرة في شوال أو شعبان على اختلاف في الرّواية، وهذه الآية نزلت مع سورتها في السّنة التاسعة من الهجرة، أي بعد فرض الزكاة بسبع سنين، ولم يقل أحد بتقديم نزول هذه الآية على سورتها لأن نزولها دفعة واحدة مجمع عليه كما أشرنا إليه آنفا، وما قاله بعض الفقهاء، الأصل فيها أي الزكاة قبل الإجماع قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) الآية، وقوله تعالى (وَآتَوُا الزَّكاةَ) وهذه
الجملة مكررة كثيرا في القرآن المكي والمدني، وقوله صلّى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس. فيه تسامح بذكر هذه الآية فقط، لأن السّياق والسّياق ينافيه، ويأباه تخالف انتظام الآيات وتناسبها وأسباب نزولها، والحق الاقتصار على الآية الثانية والحديث لاحتمال وقوعها في السّنة الثانية، وقد ذكرنا في الآية ٢٦١ و ٢٦٥ من سورة البقرة المارة الدّالة على فرض الزكاة بعموم أنواعها صراحة فراجعها، وراجع الآيتين ٩٧ و ٩٨ قبلها أيضا ليطمئن قلبك ويتبقن صحة ما ذكرناه لك، والله أعلم. قال تعالى «وَقُلِ» يا سيد الرسل لهؤلاء التائبين وغيرهم، لأن اللفظ عام، وقد ذكرنا أن العام لا يتقيد بخصوص السّبب «اعْمَلُوا» عملا صالحا تأييدا لتوبتكم هذه «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ» عيانا فيرحمكم ويجازيكم عليه جزاء