صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى وقف على باب مسجد قباء، فقال يا معشر الأنصار إن الله عزّ وجل أثنى عليكم فما الذي تصنعون؟ فقالوا يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار ثم نتبعها بالماء فتلا عليهم الآية وهي عامة في الطّهارة ولا يفهم من هذا نزول الآية منفردة عن سورتها كغيرها من الآيات التي ذكرنا أسباب نزولها، بل نزلت هذه وغيرها مع سورتها دفعة واحدة كما ذكرنا، وتلاوة هذه الآيات وغيرها بمفردها لا يعني نزولها وحدها تأمل. أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال كان النّبي صلّى الله عليه وسلم يزور قباء راكبا وماشيا يصلى فيه ركعتين. وأخرج البخاري عن سهل ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء كلّ سبت راكبا وماشيا، وكان ابن عمر يفعله. وأخرج النّسائي عن سهل بن حنيفة قال: قال صلّى الله عليه وسلم من خرج حتي يأتي هذا المسجد مسجد قباء فيصلي فيه كان له كعدل عمرة. وأخرج الترمذي عن أسد بن ظهير أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال: الصلاة في مسجد قباء كعمرة.
وما قيل أن المراد في المسجد المذكور في هذه الآية مسجد الرّسول ينافيه سياق الآية ومغزى الحادثة والتاريخ أن مسجد الرّسول أفضل المساجد كلها بعد المسجد الحرام. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة. ورويا عن أبي هريرة مثله بزيادة ومنبري على حوض. وأخرج النّسائي عن أم سلمة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنّة (أي ثوابت) . وجاء في الحديث الصّحيح أن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة في غيره. ثم ضرب الله مثلا لهذين المسجدين مسجد الضرار ومسجد قباء المسمى مسجد القرى بقوله جل قوله «أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ» منه تعالى «خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ» متداع للسقوط كما سيأتي بيانه بعد «فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ» سقط مع بنائه فيها لأنه ظلم نفسه بذلك «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(١٠٩) أنفسهم المسوين بين مسجد التّقوى ومسجد الضّرار، أي من أسس بنيانه على شفير واد أكل الماء ما تحته فصار هائرا أو واهيا متداعيا للسقوط مثله كالرمل الذي ينهار لرخاوته وعدم تماسكه. وهذا الاستفهام المصدر فيه جاء