عن أنه وثق أقاويله كلها بالأيمان وهو أول من حلف بالله كاذبا لعنه الله، فانصاعا اليه وأكلا من الشجرة. قال تعالى «فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ» أخذا منها يسيرا لمعرفة طعمها «بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما» حالا فتهافت لباسهما القدسي عنهما فأبصر كل منهما عورة صاحبه وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا من بعض ما قال قتادة كان لباسهما من جنس الأظفار شبه اللؤلؤ بياضا وعلى غاية من اللطف واللين والنضارة، فتقلص عنهما حتى بقي عند الأظفار تذكيرا للنعمة وتجديدا للندم «وَطَفِقا يَخْصِفانِ» يرقعان ويخيطان «عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» من ورق تينها ومرزها وكرمها وما شاكل ذلك من كبار الورق فيلزقان الواحدة جنب الأخرى ليسترا عورتهما فيه، وفي هذا دليل على قبح كشف العورة في ذلك اليوم «وَناداهُما رَبُّهُما» وبين ما هية هذا النداء بقوله «أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ» وأحذركما من قربها لئلا يصيبكما ما أصابكما من هتك ستركما والسّبب لإخراجكما من الجنة دار الراحة وأنزلكما إلى الأرض دار الشقاء والعناء «وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ٢١» ظاهر العداوة، لأنه لم يسجد لأحدكما حسدا، وهذا عتاب من الله جل جلاله لآدم وزوجته ولم يتشرف بالنبوة بعد، ولو كان لما رغب بمقام الملائكة لأن مقام النبوة أشرف، فما قيل إنه كان نبيا مردود بما سيأتي الآية ٣١ من سورة البقرة في ج ٣، إذ قال بعد الأكل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) إلخ وقوله جل قوله في طه الآتية بعد الأكل أيضا والتصريح له بالعصيان (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) الآية ١٢٢ كما تراه في تفسيرهما، فلما رأيا ما حلّ بهما من ذوقهما الشجرة وعتاب ربهما لهما «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» بمخالفة أمرك وقد غرّنا الملعون فأوقعنا بما نحن فيه «وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ٢٣» رضاك مع خسراننا الجنة الهالكين بمخالفتك. وهذه الكلمات هي التي تلقاها من ربه المشار إليها في الآية من البقرة أعلاه على ما قاله ابن عباس.
وقال ابن مسعود إنها (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) . والأول أولى