للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تقرّ به العين ويشرح الصدر وترتاح له الجوارح، وإن كتب الصوفية العارفين كالرسالة القشيرية والأبريز والإنسان الكامل وغيرها مما تقدم ذكره في المقدمة ملأى من هذا، فمن أراد الوصول إلى حضرة القبول، فليخل نفسه ويتوجه بكلية قلبه ولبه إلى ربه، وإلّا لا وصول ولا قبول. قال عيسى عليه السلام: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، ولن يلج ملكوت السموات إلّا من ولد مرتين. هذا، وإن السادة الصوفية قالوا بصحة الصعق الذي يحصل لبعضهم عند سماع آية رغبة أو رهبة أو ما في معناهما من هذا، كما أشرنا إليه في تفسير الآية ١٤ من سورة المزمل المارة.

وأرى أن لا يعترض عليهم في ذلك كما لا يعترض على ما جاء في كتبهم من عبارات قصر الفهم عن إدراك معناها ووقف العقل عن تناول مغزاها.

مطلب الصعق وتحريم النظر في كتب القوم لغيرهم:

فقد جاء في ص ٢٩٤ في الجزء الثالث من حاشية الدر المختار لابن عابدين ما نصه:

(نحن قوم يحرم النظر في كتبنا) وذلك لأنهم تواطأوا على ألفاظ اصطلحوا عليها فيما بينهم وأرادوا بها غير معناها المتعارف، فمن حملها على معناها الظاهر فقد كفر.

وقد سئل بعضهم عن هذا فأجابه بما نصه: (الغيرة على أن يدعي طريقنا من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله) وقد سئل العلامة عز الدين بن عبد السلام عن ابن العربي وكان يطعن فيه ويقول هو زنديق، فقال هو القطب، فقال لم تطعن فيه، فقال لا أخون ظاهر الشرع، أي أنه كان يرى منه ما يخالف الشرع ظاهرا فيطعن فيه من هذه الجهة. راجع تفسير الآية ٤٢ من سورة والنجم، ومن هذا القبيل كان اعتراض موسى عليه السلام على الخضر. راجع الآية ٦٥ فما بعدها من سورة الكهف في ج ٢، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٢٧ من سورة الزمر في ج ٢. هذا، وقد ذهب الشيخ ابراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك كما دكّ الجبل عند التجلي، واستدل بما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ،

<<  <  ج: ص:  >  >>