لهم أخذه، فأحضروه له فصاغه عجلا وأخرج ذلك التراب فوضعه في هيكل العجل فصار له صراخ كصراخ العجل، فقال لهم هذا هو الإله الذي قصده موسى قد نسيه هنا، لأن المدة المعينة مضت ولم يحضر وأغراهم بذلك وأمرهم بعبادته، وصاروا كلما صاح سجدوا له. وهذا الذي خطر على قلب موسى في توصية أخيه وخوفه على بني إسرائيل الضلال. قيل إن تصويته كان يحصل من أنابيب صاغها في بطنه وكلما دخل فيها الهواء صوتت، والأول أصح على القول بأنه وضعت فيه حياة خاصة بسبب التراب المار ذكره، والثاني أجدر بالقبول للعقول لما للهواء من التأثير في المكونات التي اطلع عليها البشر، وخاصة أهل هذا الزمن والعجل لولد البقر خاصة، ولولد الناقة حرار، والفرس مهر، والحمار جحش، والشاة حمل، والمعزى جدي، والأسد شبل، والفيل دغفل، والكلب جرو، والظبي خشف، والأرنب خرنق، ويضرب فيه المثل بالنعومة قال:
إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضّاها ولا تملق
واعمد لأخرى ذات دلّ مونق ... ليّنة اللمس كمس الخرنق
ولولد الضبع فرعل، والدب دسيم، والخنزير فنوص، والحية حويش، والنعام رأل، والدجاجة فروج، والفأر ردوص، والضب حسل، فرد الله على السامري بقوله «أَلَمْ يَرَوْا» هؤلاء السفهة «أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ» هذا العجل «وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا» لأنه لا يعقل ولا يفهم «اتَّخَذُوهُ» ليرشدهم إلى طريق الصواب أم ليدفع عنهم ضرا ويجلب لهم نفعا كآحاد البشر، وهذا تقريع وتشنيع على فرط ضلالهم وإضلالهم بالأمور النظرية «وَكانُوا ظالِمِينَ ١٤٨» باتخاذهم إياه وإعراضهم عن عبادة الله مع علمهم بأنه صورة مصنوعة لا تقدر على شيء ومن كان كذلك فهو ناقص والناقص لا يصلح للألوهية، وهذه الآية كالآية ٨٩ من سورة طه الآتية من حيث المعنى، وقد أنّبهم هرون عليه السلام بما فى معناها وأمرهم بالكف عنه والرجوع لعبادة الله فلم يفعلوا كما سيأتي في الآيتين ٩٠ و ٩١ من سورة طه أيضا، ولما ينغهم قدوم موسى أحسّوا بسوء صنيعهم وعرفوا أنهم على ضلال فأنزل الله قوله جل قوله