فداك ألا تراهم قد أنكروا وكرهوا ما عليه الفرقة المقترفة وقالوا للفرقة الناهية لم تعظون إلخ الآية، إنه وإن لم يقل أنجيتهم فلم يقل أهلكتهم، فأعجبه قولي وأمر لي ببردين وكسانيهما، وقال نجت الساكتة يؤيده قول يمان بن رباب نجت الطائفتان وهو قول الحسن أي الآمرة والساكتة، أما ما قاله ابن زيد وروي عن أبي عبد الله:
نجت الناهية فقط فمستبعد هذا على شريعتنا، أما على شريعة موسى فلا وعلى كل فالله تعالى أكبر وأكرم قال تعالى «فَلَمَّا عَتَوْا» أبوا الرجوع «عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ» تكبرا وأنفة «قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ١٦٦» أذلاء صاغرين منسوخين فكانوا كذلك.
مطلب في خزي اليهود ورفع عيسى عليه السلام:
قال تعالى «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ» أعلم وفيه معنى التوعد والتهديد لافترانه بالقسم الدالّ عليه وجود لامه في قوله «لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ» أي اليهود، لأنهم بدلوا وغيروا أحكام التوراة وأجروا أحكام ما بقي منها على الضعيف دون القوي، وحرّفوا كثيرا منها، وكذلك فعل النصارى في الإنجيل لما رأوا أن حضرة الرسول يخبر عما فيهما، وكانوا قبلا يحورون ما يتعلق بالأحكام فقط، فلما ظهر الرسول صاروا يرفعون منها ما يتعلق بأوصافه صلّى الله عليه وسلم قصد نهي اتباعهم له والإيمان به، مع أن الواجب عليهم إبقاؤها والإيمان بما جاء فيها مصدقا للقرآن أخزاهم الله، ولهذا أقسم الله جل شأنه على الجزم بأنه ليرسلنّ عليهم «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ» يكلفهم على الدوام «سُوءَ الْعَذابِ» أقساه وأشده مما لا رحمة فيه «إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ» إذا شاء عقاب أمثال هؤلاء في الدنيا فضلا عن عذاب الآخرة «وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٦٧» لمن آمن ورجع عن كفره ودخل بالإسلام فلم يعاقبه ولم يسأله عما فعل لعظيم مغفرته وكبر عفوه، لأن الإسلام يجبّ ما قبله.
ومن جملة إذلال اليهود وإصغارهم أنهم صاروا يؤدون الجزية إلى المجوس لما سلّط الله عليهم بختنصر وسنجاريب وملوك الروم، فساموهم وأهانوهم، ولم يزالوا كذلك محتقرين إلى زمن محمد صلّى الله عليه وسلم، فقبل من أسلم منهم ومن لم يسلم قبل منه الجزية