«وَكَذلِكَ» أو مثل هذا التفصيل البليغ «نُفَصِّلُ الْآياتِ» ونوضحها ليتدبرها الناس فيعرضوا عن الكفر ويرجعوا إلى الإيمان «وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ١٧٤» إلى تذكر ميثاقهم الأول فيعملون بمقتضاه حتى لا تحق عليهم كلمة العذاب.
هذا، وبعد أن ذكر الله تعالى رسوله بتذكير قومه في هذا العهد العظيم وبين كيفيته ذكّره بقضية أخرى ليذكرها لقومه على سبيل الاتعاظ والانتباه والتحذير فقال عز قوله «وَاتْلُ» يا أكرم الرسل «عَلَيْهِمْ» أي قومك. وقال بعض المفسرين على اليهود، وهو غير سديد، لأن الآية مكية ولا مخاطبة بينه وبين اليهود بمكة، على أن لا مانع من شمولها اليهود وغيرهم لأنها جاءت بلفظ عام ولأنه مرسل إلى الخلق كافة ولا سيما أنه تلاها عليهم عند وصوله إلى المدينة بعد هجرته من مكة لا عند نزول الآية، فالقول باختصاصهم بها لاصحة له. أي أخبرهم «نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا» من علماء بني إسرائيل.
مطلب قصة بلعام ابن باعوراء وسببها:
قيل إنه من الكنعانيين من بلد الجبارين، أو من مدينة البلقاء، واسمه بلعام أو بلعم بن باعوراء أو باعراء أو ابن امرئ، اوتي علما ببعض كتب الله المنزلة على الرسل قبله وفي زمانه فكفر بها ونبذها وراء ظهره «فَانْسَلَخَ مِنْها» انسلاخ الجلد عن الشاة، ويقال لكل من فارق شيئا على أتم وجه انسلخ منه.
وفي هذه الآية دلالة على أن العلم لا ينزع من الرجل لقوله جل شأنه انسلخ لا انسلخت منه، يؤيده ما جاء في الحديث الصحيح:(إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من قلوب الرجال، وإنما يكون بفقد العلم بموت العلماء) . والقرآن يفسر ببعضه وبالسنة تدبر قوله جل قوله «فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ» لحقه وأدركه، وفيه تلميح المبالغة باللحوق إذ جعل كأنه أمام الشيطان والشيطان مبالغ في اتباعه وهو من الذم بمكان على حد قوله:
وكان فتى من جند إبليس فارتقى ... به الحال حتى صار إبليس من جنده