طبعا له غريزيا، وهذا المثل الذي ضربه الله للمكذب بآياته يعم كل مكذب بها لأنهم إذا جاءتهم الرسل بالهداية لم يهتدوا فهم ضلال في كل حال «فَاقْصُصِ» يا سيد الرسل على قومك هذا «الْقَصَصَ» من أخبار الكافرين بآياتنا «لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦» فيها فيتعظون، ولفظ الكلب لم يأت في القرآن إلا هنا وفي الآيتين ١٧ و ٢٣ من سورة الكهف في ج ٢، «ساءَ مَثَلًا» أي بئس المثل مثل «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» وقدم المفعول للحصر فقال «وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ ١٧٧» لا غيرها لأن وبال تكذيبهم خاص بهم، قال تعالى «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ» منكم أيها الناس «فَهُوَ الْمُهْتَدِي» حقا وثواب هدايته له «وَمَنْ يُضْلِلْ (منكم) فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ١٧٨» دنياهم وآخرتهم، ولا أضر من هذا الخسران. وخلاصة القصة على ما ذكره الأخباريون ونقله ابن عباس ومحمد بن اسحق والسدي وغيرهم هو أن موسى عليه السلام لما قصد الجبّارين نزل أرض كنعان من الشام، فقال أهلها إلى بلعام، وكان عنده اسم الله الأعظم إن موسى صنديد ومعه جنود كثيرة وأنت رجل مجاب الدعوة، فادع عليه ليرد نفسه وجنوده عنا لئلا يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلّها بني إسرائيل، فقال لهم هذا نبي وإن فعلت معه ما تريدون ذهبت دنياي وآخرتي، قالوا لا بد أن تفعل، فقال حتى أستأمر ربي، قالوا لا بأس، فاستخار ربه فأري أن لا يدعو عليه، فأخبر قومه، فألحوا عليه وأهدوا إليه هذايا وطلبوا منه أن يدعو عليه، فاستأمر ربه ثانية فلم يؤمر بذلك، فأخبرهم فراجعوه، وقالوا لو كره ربك لنهاك عنه، ثم تضرعوا إليه وأغروه بما قدموا له من المال حتى فتنوه، فركب أتانه وتوجه إلى جبل هناك يسمى حسانا ليظلع عليه بني إسرائيل ويدعو عليهم، فربضت الأتان فصار يضربها فقامت ثم ربضت أيضا، وهكذا عدة مرات، ولما آلمها قالت له إنك تسوقني والملائكة يردونني، ويلك كف عني، أتذهب ويحك إلى مناوأة نبيّ الله الذي علمك اسمه لتستجلب به رضاه أو سخطه فتدعو على نبيه، فلم ينزع عن ضربها، فألهمت بمطاوعته كما ألهمت معاكسته، فانطلقت به وصعدت الجبل، فترجل عنها ونظر