إلا أن هذه الرواية بعيدة عن الصواب بحق موسى، لأن التيه قدره عليهم بسبب مخالفتهم لأمره في حرب الجبارين وكان عليه روح وراحة، وهذا مما لا شك فيه في حقه، أما على قومه، فكان فيه بعض المشقة والكلفة جزاء مخالفتهم أمره وكان هذا بدعائه عليهم لا بدعاء بلعام كما سيأتي في الآية ٢٥ من المائدة في ج ٣، قال الألوسي في تفسيره روح المعاني أنا أعجب من هذا الشقي لم لم يدع على ملك البلقاء ليخلص من شره ويدعو على موسى، ما هي إلا جهالة سوداء. هذا، وما جاء في كلام أبي المعتمر من أن بلعاما أوتي النبوة مردود لأن الأنبياء معصومون مما وقع من بلعام وان بلعاما كفر وهم معصومون من الكفر، ولعل هذا أراد ما أوتيه من الآيات والاسم الأعظم، على حد قوله صلّى الله عليه وسلم من حفظ القرآن فقد طوى النبوة في جنبيه.
مطلب قصة أمية بن الصلت:
وقال عبد الله بن عمر وبن العاص وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم إن هذه الآية نزلت في أمية بن الصلت الثقفي، وكان قرأ الكتب القديمة وعلم أن الله مرسل رسولا ورجا أن يكون هو، فلما شرف محمدا بالرسالة حسده وكذبه وقال لو كان نبيا ما قتل أقرباءه، قاتله الله ألم يعلم أن النبي مرسل للقريب والبعيد، وأن الكافر عنده كافر سواء كان من أقربائه أو من أعدائه، لأن الجامع فيما بينه وبين الناس هو الإيمان، فلما مات أتت أخته ضارعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسألها عن كيفية وفاته فقالت: نزل عليه اثنان من السقف فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه أوعى فقال وعى، قال أذكى قال أبى، فسألته عن هذا فقال خيرا أريد بي فصرف عني ثم قال:
كل عيش وإن تطاول دهرا ... صائر مرة إلى أن يزولا
ليتني قبل ما قد بدا لي ... في خلال الجبال أرعى الوعولا
إن يوم الحساب يوم عظيم ... شاب فيه الصغير يوما ثقيلا
فقال لها صلّى الله عليه وسلم بعد أن سمع هذا منها أنشديني ما سمعت من شعره، فقالت سمعته يقول ذات يوم: