وفي هذه الآية إيذان بمقام الرجاء لأن لفظ الرب يشعر بالتربية والرحمة والفضل والإحسان فإذا تذكر العبد إنعام ربه عليه وإحسانه إليه يقوى مقام رجائه، وإذا كان الذكر باللسان فقط عاريا عن حضور القلب كان عديم الفائدة التي هي استشعار عظمة المذكور واستحضاره وتخيلك بين يديه وتصورك بلا كيف وجود عظيم الوجود أمامك وجلاله وكبريائه فوقك. وبعد أن بين الله تعالى مقام الرجاء في صدر هذه الآية أعقبه بالإشارة إلى مقام الخوف فقال وإذا ذكرت ربك فاذكره «تَضَرُّعاً» إليه بإظهار الذل والخضوع وإبداء الاستكانة إلى المذكور «وَخِيفَةً» من هيبته لأنك في حال مخاطبته في حضرته، ومن عرف عظم المقام وجب أن يكون في حالة خوف ورهبة وخشية لا محالة، وإذا حصل هذا في قلب الذاكر وكان بين الخوف والرجاء، قوي إيمانه وتنور قلبه وثبت جنانه فتفجرت منه الحكمة، فعلى العاقل أن لا يفارق حالة الخوف والرجاء في الشدة والرخاء وأن يصاحبهما في جميع حالاته لا في حالة الذكر فقط، إلا أنه يستحب له أن يغلب حالة الخوف على الرجاء في حالة الصحة والرفاء، وحالة الرجاء على الخوف في حالة المرض والاحتياج، لأن مقام الموت والحاجة مقام رجاء ومقام الصحة والرفاه مقام خوف فى الغالب لأنه لا يدري ما يحل به ويفجأ به. قال أنس رضي الله عنه: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال صلّى الله عليه وسلم: لا يجتمعان (الخوف والرجاء) في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو منه وآمنه مما يخاف- أخرجه الترمذي-.
ومن هذه الآية الكريمة أخذ السادة الصوفية بارك الله فيهم الذكر السري وجعلوه من أورادهم وهو دليل واضح لهم لا يحتاج إلى تعليل مؤيد لقوله صلّى الله عليه وسلم: خير الذكر الخفي وخير المال ما يكفي- أخرجه أحمد- فمن تقول بعد هذا النص القاطع بأن الذكر الخفي لا أجر فيه لذاكره فقد أخطأ وهو لا أجر له على اجتهاده هذا بل يأثم، والله أعلم إذ لا اجتهاد في مورد النص وإنما يجتهد في المشكلات والمتشابهات مما لا نص قطعي فيها ففي مثلها إذا أخطأ يكون له أجر وإذا أصاب أجران ت (٣١)