الشاقة وغيرها، على أن هناك جمعا عظيما من قدماء الفلاسفة وأصحاب الروحانيات اعترفوا بوجودهم وسموهم بالأرواح السفلية، وزعموا أنها جواهر قائمة بأنفسها ليست أجساما ولا جسمانية، هذا وقد اختلف العلماء فيما سمعوه من القرآن أيضا قيل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وقيل غيرها، إلا أن ما قيل إنه سورة الرحمن لا يصحّ لأنها نزلت بالمدينة وقضية الجنّ في مكة بلا خلاف، وما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا، فقال لقد قرأتها ليلة الجن على الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قالوا لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد، أخرجه الترمذي وقال حديث غريب، وفي رواية كانوا أحسن منكم ردا فإنه أي هذا الحديث على فرض صحته عبارة عن حكاية ذكرها لأصحابه حضرة الرسول لا يعلم تاريخها فلا يصح الاستدلال بها لاحتمال وقوعها في المدينة وهو الأقرب للمعقول، لأن الرسول اجتمع كثيرا مع الجن وقد ذكرنا آنفا انه اجتمع معهم ست مرات، وأنت خبير بأن الدليل إذا طرقه الاحتمال أبطل الاستدلال به، تأمل هذا: واعلم أن القرآن ذكر حادثتين في استماع الجن في هذه السورة وفي الآية ٣٩ فما بعدها من سورة الأحقاف في ج ٢، وأن الله قصّها علينا بواسطة رسوله على طريق الحكاية، ولا يبعد أن حضرة الرسول قرأ عليهم غيرها في مكة أو المدينة بعد أن ذكروا أن الاجتماع بهم كان ست مرات، قال تعالى حاكيا ما قاله الجن عند سماعهم قراءة رسوله «فَقالُوا» بعضهم لبعض «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ١ ما سمعنا مثله، بديعا في حسن نظمه، بالغا في صحة معانيه، لطيفا في تركيب مبانيه، مباينا لكلام البشر، وجدير أن يتعجب منه لأنه «يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» الحق والصواب والعدل والسداد، يقرأ بسكون الشين وضمها وبفتح الراء والشين وضمها «فَآمَنَّا بِهِ» لما سمعناه إذ تحقق لدينا أنه كلام الله، وأن البشر يعجز عن مثله، وإنا رجعنا عن الإشراك بمنزل هذا القرآن «وَلَنْ نُشْرِكَ» من الآن فصاعدا «بِرَبِّنا أَحَداً» ٢