والمعنى أن الإنس زادوا الجن طغيانا وسفها وكبرياء بسبب استعاذتهم بهم «وَأَنَّهُمْ» كفرة الجن وسفهاؤهم «ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ» يا معشر الكفار من الإنس، هذا على عود الضمير في أنهم وفي ظنوا للجن، وضمير ظننتم للإنس، وهو أولى من عود الأولين للإنس والثالث للجن مراعاة للسياق، أي أن كفار الجن كالإنس كانوا تيقنوا قبل سماعهم القرآن «أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً» ٧ بعد موته، أي أنهم كانوا ينكرون بالبعث أيضا مثل الكفرة من الإنس وأنهم اهتدوا ورجعوا عما كانوا عليه حال سماعهم القرآن، فما بالكم يا كفار قريش لم تؤمنوا وقد سمعتم كثيرا من كلام الله، أما آن لكم أن تكونوا مثلهم فتؤمنوا بالبعث بعد الموت وتتركوا الإشراك بالله وتفردوا ربكم الإله الواحد بالربوبية وبكل ما تأملونه من خير الدنيا والآخرة؟ ألم تساووا الجن بالإيمان بالرسول وما جاء به من عند الله؟
قال تعالى حكاية عنهم أيضا «وَأَنَّا لَمَسْنَا» وجسسنا «السَّماءَ» طلبا لبلوغها واستماع كلام من فيها كما كانت العادة قبلا «فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً» من الملائكة أكثر من ذي قبل بأضعاف كثيرة جدا «وَشُهُباً» ٨ تنقض من نجومها المضيئة علينا بكثرة أيضا خلافا لما كانت عليه قبلا «وَأَنَّا كُنَّا» قبل مبعث النبي محمد «نَقْعُدُ مِنْها» أي السماء «مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ» فنسترق ما يقع فيها من بعض القول حيث كنا نجد أمكنه في السماء خالية من الحرص وبعض المواقع منها عارية من الشهب، أما الآن فكلها ملأى من الحرس والشهب بكثرة لم تعهدها قبل، لذلك ماعدنا نقعد فيها خوفا أن نحترق «فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ» بعد مبعث حضرة الرسول وإلى ما شاء الله «يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً» ٩ يرمى به حالا فكان الشهب تترصد من يطلب الاستماع في السماء فترميه حالا وتحرقه. قال ابن عباس كانت الجن تصعد الى السماء لتستمع الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا عليها تسعا فيحدثون ويبلغونها الى الكهنة، فلما بعث صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولهذا كانت الناس تتهافت على الكهنة تهافت الفراش على النار فيعظمونهم ويحترمونهم ويسألونهم عن مصالحهم الحاضرة والمستقبلة، لأنهم قد يصدقون لأن ما يلقيه الجن