مشطور الرجز، وما روي عن الخليل أنه قال كان الشعر أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام مناف لما سمعت من الأحاديث والأخبار، ولعله قال ذلك بالتفضيل بين شعر وشعر كما قال حين أعجبه شعر أمية ابن الصلت (آمن شعره وكفر قلبه) وكما قال حين سمع قول النابغة:
بلغنا السماء بحدنا وسناؤنا ... وانا لنرجو بعد ذلك مظهرا
قال له إلى أين قال إلى الجنة يا رسول الله، فأعجبه ولما بلغ في قصيدته قوله:
ولا خير في علم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن ... حليم إذا ما أورد الأمر اصدرا
قال له لا يفضض الله فاك. قالوا إنه عاش مائة وثلاثين سنة لم يسقط له فيها سن هذا، وان القرآن العظيم امتاز عن كلام البشر بما تقدم، وبنظم آياته على نظام السجع المستمر أو النثر من الشعر وبضرب الأمثال وسوق القصص وتكرارها بغير النسق الأول مع إعطاء المعنى كاملا، وهذا مما يعجز عنه البشر وعدم التزامه أسلوبا واحدا في الأداء والبحث فكما تجد في السورة الواحدة عدة أبحاث تجده في الآية الواحدة أيضا، وكما أن كثيره معجز فقليله معجز، فهو في هذه الحيثية لا يتجزأ كالنور فإنه إذا تجزا لا يخرج عن طبيعته كله لأن جزء النور نور وهكذا القرآن جل منزله. ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٢٢٦ من سورة الشعراء نستقصي فيها ما لا بد منه في هذا الشأن إن شاء الله تعالى، ولما نفى جل جلاله أن يكون نبيه شاعرا وأن يكون كلامه شعرا قال «إِنْ هُوَ» أي ما الذي علمناه لحضرة رسوله «إِلَّا ذِكْرٌ» من لدنا أنزلناه عليه ليذكر به عبادنا ويعظمهم به «وَقُرْآنٌ» يقرأه عليهم «مُبِينٌ» ٦٩ ظاهر واضح بأنه ليس من قول البشر ويلقم من تصدى لمعارضته الحجر كتاب سماوي لا مثل لمثله، تحدى الخلق كلهم ليأتوا بسورة مثله فعجزوا، وهو مصوغ صوغا إلهيا يباين كلام الإنسان ويخالف ما في الشعر من أصول وأوزان، موضح للحدود والأحكام، ومبين للحلال والحرام صادر عن حضرة الملك العلام القائل «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ