الآية ٤٤ من سورة نوح وإذا قالوا فلان يرجو ربه فليس فيه معنى الجحد ويكون معناه يسأله ضد يأس ويجوز هنا أن يكون بمعنى لا يتوقعون ولا يعتقدون وجود الآخرة التي فيها لقاء الله والحساب والعقاب على ما كان منهم في الدنيا وهو أولى «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ» فتخبرنا بصدق محمد «أَوْ نَرى رَبَّنا» عيانا فيخبرنا بذلك لآمنا بهذا الرسول وصدقناه قال تعالى مستعظما عليهم قولهم «لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ» هؤلاء الكفرة وعدوها كبيرة بأعينهم وعظموا شأنهم في هذا القول العظيم والله أجل وهم أحقر من أن ينزل عليهم ملائكته أو يكلمهم أو يرونه فقد فسقوا بقولهم هذا «وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً» ٢١ فتجاوزوا الحد في مقالهم هذا. ولام لقد واقعة في جواب قسم محذوف، أي وعزتي وجلالي لقد رأى هؤلاء الكفرة أنفسهم كبيرة حتى جرأوا على قولهم هذا، يا سيد الرسل قل لهؤلاء المنحطّين «يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ» لا يستطيعون التكلم معهم لأنهم لا يرونهم إلا عند الموت الذي فيه صك أسنانهم، وعند البعث في الآخرة وفيه تذهل عقولهم، مما يلاقونه من الهول «لا بُشْرى» في هذين الوقتين «يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ» بل لهم الخزي والخوف والذّل والهوان، وفي هذا القيد بشارة للمؤمنين بالفرح والأمان، لأن الملائكة عند الموت وفي البعث تبشرهم بما لهم عند الله من الكرامة، فيهون عليهم الأمر فيهما، كما تقول الكفار لا بشرى لكم بل الويل والثبور، فيزيد ذعرهم. يدل على هذا قوله تعالى «وَيَقُولُونَ» لهم الملائكة «حِجْراً مَحْجُوراً» ٢٢ أي أنتم ممنوعون من بشارة الخير منعا باتا أيها الكفرة. قال ابن عباس حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومعنى الحجر المنع، وكانت العرب إذا نزل بهم شدة أو كرب أو رأوا ما يكرهون قالوا: حجرا محجورا، فهم أيضا يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة لأنهم يكرهونهم، لعلمهم أنهم يوقعون بهم العذاب الشديد الدائم قال المتلمس:
حنّت إلى النحلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام ألا تلك الدهاريس