والنووي الحالف بالأول يحنث لظاهر الآية، والفتوى على الأول، لأن الحالف حينما يحلف على عدم أكل اللحم يتصور لحوم الأنعام فقط، كما أن الحالف في الركوب لا يتصور ركوب الإنسان بل ما يطلق عليه اسم دابة حقيقة «وَتَسْتَخْرِجُونَ» من البحرين المذكورين كما هو ظاهر العطف «حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» فمن الملح اللؤلؤ والمرجان واليسر وغيرها، ومن الحلو الصدف وعظام السمك التي يصنع منها قبضات السيوف والخناجر وأزرة الألبسة وغيرها، وقد يوجد في بعض الصخور التي في مجاري المياه ماس، قال تعالى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) الآية ٢٢ من سورة الرحمن في ج ٣، ولا يبعد أن يوجد شيء من ذلك في النهر العذب، لأنه قد يوجد في البحر الملح عيون عذبة تخرج فيه، فيكون منها اللؤلؤ، ومن هذا ما هو موجود الآن في البحرين حيث يوجد فمن البحر كما صرح به الشيخ محمد خليفة في تاريخه لجزيرة العرب في ص ٢٤٠ عدة عيون ماء حلو يذهب إليها بالقوارب ويستقى منها كما ذكرناه في تفسير الآية ٥٢ من سورة الفرقان المارة وقد أخبرني السيد كامل العاص الرجل الصالح الكريم من أهالي جباة الزيت التابعة لقضاء القنيطرة (من أعمال دمشق) إذ كنت فيها، أنه أثناء وجوده في أمريكا شاهد زمن سيره في البحر ماء حلوا منسابا فيه ويمتاز على ماء البحر بلونه فماء البحر في ذلك المكان يضرب إلى الزرقة بل إلى السواد لشدة عمقه، والماء الحلو المنساب فيه التابع منه يضرب إلى البياض، وهو رجل صادق والله لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير. وقال بعض المفسرين إن الحلية لا تكون إلا من الماء المالح، وأن ما جاء في آية الرحمن المارة هو على طريق التغليب وإسناد ما للبعض إلى الكل وهو غير وجيه لمخالفة ظاهر الآية وحملها على التأويل دون ضرورة، ولأنه لو فرض أنه لم يخرج من الماء الحلو إلا الصدف لكفى، لأنه حلية من وجه داخلة في قوله تعالى تلبسونها «وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ» أي ماءي الحلو والمالح، كما هو مشاهد، فلا يقال إنها خاصة بالملح أيضا إلا أن الكبار العظام خاصة في البحر والصغار منها فيه وفي الأنهر «مَواخِرَ» تمخر أي