حساب، المرادون في قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) الآية ١٠٢ من التوبة أيضا، كما سنبين هذا كله في محله في تفسير هذه الآيات وآخر سورة الواقعة الآتية إن شاء الله تعالى قال عمر رضي الله عنه على المنبر بعد تلاوة هذه الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وجاء أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا ثم يدخل الجنة، وأما الظالم فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو، ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة- رواه أبو الدرداء- وقال ابن عباس: السابق المخلص، والمقتصد المرائي، والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها. وقال الربيع بن أنس: الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد صاحب الصغائر، والسابق المجتنب لهما. فوافق هذا التأويل القرآن والحديث والأثر وقول السلف الصالح، فتدبر وانظر لنفسك أي الدار تختار.
واعلم أن المتلبس بإحدى هذه الخصال الثلاث، ما كان تلبسه إلا «بِإِذْنِ اللَّهِ» وأمره وإرادته وتوفيقه وقضائه وقدره «ذلِكَ» إيراث الكتب والاصطفاء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته «هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» ٣٢ الذي لا أكبر منه، إذ لم يعطه أحدا قبلهم، فكل الأمم لم تختص بما خصت به هذه الأمة كما أن رسولها خص بأشياء لم تختص بها الأنبياء قبله، راجع تفسير الآية ١٥٨ من سورة الأعراف المارة، وأي فضل أعظم من هذا، لأن السابقين منهم يدخلون الجنة فور خروجهم من قبورهم، والمقتصدين بعد الحساب، والظالمين بعد العذاب. ثم بين جل بيانه بعض ذلك بقوله «جَنَّاتُ عَدْنٍ» إقامة دائمة «يَدْخُلُونَها» بمحض الفضل لا دخل للكسب فيها «يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً» مرصعا فيها، ومن هنا تعلم أهل الدنيا ترصيع الذهب بالأحجار الكريمة «وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ» ٢٣ ناعم زيادة في التنعم والترف، ولما رأى أهل الجنة ما غمرهم به الله من فضله شكروه «وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ» الذي كنا نكابده في الدنيا خوف عاقبة هذا اليوم في عدم قبول الأعمال والمؤاخذة على ما صدر منّا. روى البغوي عن أبي عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس