بكم ذلك الإمهال. وقيل المراد بهذا العمر هو سن البلوغ الثامنة عشرة سنة فقط، أو سن الكمال الأربعون سنة، أو سن الانتهاء الستون فما فوق، وقد ذكّرناكم على لسان رسلنا وخوفناكم سوء العاقبة فلم تتذكروا ورفضتم كتبي ورسلي وأنكرتم وحدانيتي «وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ» من قبل فأبيتم قبول إرشاده، ولم تعتبروا بما جرى على من قبلكم، ولم يؤثر فيكم ما ترون من علامات الموت، وأصررتم على ظلمكم «فَذُوقُوا» عذاب النار التي كنتم تكذبون بها لأنكم ظلمة «فَما لِلظَّالِمِينَ» اليوم لدينا «مِنْ نَصِيرٍ» ٣٧ يخلصهم مما هم فيه. هذه الآية جواب من الله عز وجل للظالمين وتوبيخ لهم على عدم رجوعهم إلى الله في الدنيا مع تمكنهم منه خلال المدة التي عاشوها فيها. أخرج الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة والنسائي وغيره عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعذر الله تعالى إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة. وعنه بإسناد الثعلبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين. والنذير في الآية يطلق على النبي فكل نبي نذير لأمته من بين يدي عذاب أليم ويطلق على القرآن لأن فيه من التحذير والأمر والنهي ما يكفي لمن كان له قلب، ويطلق على الشيب لأنه نذير الموت فقد جاء في الأثر: ما من شعرة تبيضّ إلا قالت لأختها استعدي للموت. ويطلق على كلّ واعظ آمر بالمعروف ناه عن المنكر. ونذر الموت غير الشيب كثيرة، منها المرض والحمى وموت الأقران والأقارب وبلوغ سن الهرم وقيل فيه:
رأيت الشيب من نذر المنايا ... لصاحبه وحسبك من نذير
وقائلة تخضّب يا حبيبي ... وسود شيب شعرك بالعبير
فقلت لها المشيب نذير عمري ... ولست مسودا وجه النذير
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»
مع خفائه ودقته فعلم كل شيء في العالم داخل في هذا العلم، لأنه ظاهر بالنسبة لذلك، لأن السرّ والعلن عنده سواء، وهذا الغيب هو بالنسبة للملائكة والجن، وإلا فلا غيب عليه البتة راجع الآية ٢٦ من سورة الجن المارة «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ»