وحسبه واضطرارا مثل حمدك الغير على صباحة وجهه ورشاقة قده لانهما ملازمان له وكذلك مدحك اللؤلؤة على صفائها لأن الصفاء صفة ملازمة لها مدحت أو لم تمدح ويكونان باللسان فقط، بخلاف الشكر فإنه يكون باللسان والقلب واليد. قال.
افادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
ولا يكون المدح إلا بمقابلة النعمة ونقيض الحمد والمدح الذم وهو اظهار مثالب الإنسان، ونقيض الشكر الكفران وهو نكران نعمة المنعم، ولهذا جعلوا الشكر على النعمة نعمة تحتاج للشكر ايضا وبه قال بعض العارفين:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله، وان طالت الأيام واتصل العمر، والحمد لا يكون إلا بعد الإحسان والمدح يكون قبل الإحسان وبعده. وقد وعد الله على الشكر زيادة النعمة وعلى جحودها العقوبة، فقال جل شأنه:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) الآية ٧ من سورة ابراهيم في ج ٢، وقال صلّى الله عليه وسلم في الحث على الشكر (أشكركم لله أشكركم للناس) وقال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله) واعلم أن أركان الحمد خمسة ١ محمود: وهو من صدرت منه النعمة، ٢ وحامد: وهو الذي يأخذها، ٣ ومحمود به: وهي الصفة التي تحلى بها المنعم كالعلم والكرم والشجاعة، ٤ ومحمود عليه: وهي نفس النعمة التي صدرت من النعم، ٥ وصيغة: وهي الجملة التي تدل على اتصاف المحمود بتلك النعمة التي حمد عليها، كقولك محمد كريم، واحمد عالم، ومحمود شجاع.
الحكم الشرعي وجوب الحمد والمدح والشكر بمقابلة النعمة، وسنّة في سائر الأوقات بحق الخلق. أما للخالق فواجب في كل حال، لتمادي نعمه على خلقه، ولأنه المستحق لجميع المحامد، أزلا وابدا، وبما أن هذا البحث من الاستعاذة إلى هنا، قد يأتي مكررا في القرآن العظيم، فلا نتكلم بشأنه فيما بعد اكتفاء بتفسيره هنا.
هذا، وقد آن لنا أن نشرع في المقصود ومن الله التوفيق، وبيده أزمة التحقيق، فأقول متلبسا بلطف الله وعطفه.