وأبهتهم باختلاق أقوال كاذبة انتحلها من نفسه. فمن أذعن وصدق فقد فاز ونجا، ومن جادل وكذب فقد هلك وخسر. قال تعالى «فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ» بدل أن يتفقوا بعد هذا البيان الكافي في وصيته عليه السلام لهم، وهذا الاختلاف حدث «مِنْ بَيْنِهِمْ» من بين قوم الموصي لهم بالاتفاق على وصيته على أقوال اتبع كل فرقة ما سوّلت لهم أنفسهم، فقالت النسطورية هو ابن الله أظهره ثم رفعه، وقالت اليعقوبية هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت الملكانية هو عبد الله ونبيه. ولهذا قال تعالى:(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) الآيات ١٩/ ٧٥ و ٧٦ من المائدة والآية ١٧٠ من النساء في ج ٣ وسيأتي تفسيرها فيها إن شاء، إذ كان في عهد نزول القرآن من لا يقول هذا وإلا لما خصص هذين الأمرين، ويوشك أن يكون الآن ممن لا يقول بهما ويعيب على من يقول بهما حتى الآن. وقالت اليهود ليس بنبي إنما هو رجل تعلم السّحر ويزعم أنه ملك اليهود، ولذلك صاروا فرقا وأحزابا كما ذكر الله «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» به وقالوا ما قالوا وماتوا على كفرهم «مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ٣٧ مهول مخوف وهو يوم الحساب والجزاء لأنهم لا يسمعون نصائح الرسل سماع قبول، وستراهم يوم القيامة يا أكرم الرسل في ذلك الموقف أكثر سماعا من غيرهم وأحد نظرا «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ» هاتان كلمتان تعجب من جودة سمعهم وحدة بصرهم (والله تعالى لا يوصف بالتعجب) والمراد منه أن أبصارهم وأسماعهم «يَوْمَ يَأْتُونَنا» في الآخرة جدير بأن يتعجب منهما لما هم عليه إذ ذاك من قوة السمع والبصر بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الصمم عن سماع ذكرنا والعمى عن أبصار آياتنا «لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ» في هذه الدنيا مغرورون تائهون وخاصة بعض المسيحيين فيما يعتقدونه في عيسى عليه السلام، فهم «فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٣٨ خطأ ظاهر غدا في الآخرة بل وقبلها يوم ينزل من السماء كما سيأتي في الآية ٦٠ من سورة الزخرف في ج ٢ فيعترفون بالحق الذي أنكروه الآن ويندمون على ما وقع منهم.