وإلا فهي قسم كالتي قبلها، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلته القسم. وأراد به الآية المارة أي والله ما منكم من أحد إلا ويرد جهنم. وروى مسلم عن أم مبشر الأنصاري أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصه: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، أو من الذين بايعوه تحتها الوارد ذكرهم في الآية ١٩ من سورة الفتح في ج ٣، قالت بلى يا رسول الله، فانتهرها لأنها لم تقل إن شاء الله، فقالت حفصة:(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) فقال صلى الله عليه وسلم جوابا لها ما قاله ربه: «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا» الأسباب الموجبة لدخولها من الكفر ودواعيه، ولم يصروا على ما فعلوه من المعاصي الكبيرة برحمتنا «وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» ٧٢ بعدلنا لاختيارهم الكفر على الإيمان وإصرارهم عليه إلى الوفاة، ولا دليل في هذه الآية لمن يقول إن الفاسق وصاحب الكبيرة يخلد في النار، لأن المراد بالتقي المستثنى من الورود من اتقى الشرك، لأن من آمن بالله ورسوله يصح أن يقال له متق الشرك ولو كان مقترفا الكبائر من غير استحلال، لأن المستحل لها كافر، ومن صدق عليه أنه متق الشرك صح عنه أنه متق، لأن التقى جزء من التقى من الشرك، ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد مثبت أن صاحب الكبيرة والفاسق متق، وإذا ثبت لك هذا وجب أن لا يخلد في النار وأنه يخرج منها لعموم هذه الآية، وعليه إجماع الأمة من علماء التوحيد، قال صاحب الشيبانية:
ولا يبقى في نار الجحيم موحّد ... ولو قتل النفس الحرام تعمدا
ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برّة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. وفي رواية من إيمان.