عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى نكهتها وبهجتها (حسنها ونضارتها وزهرتها) سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول يا رب قسمني عند باب الجنة، فيقول الله أليس قد أعطيت المواثيق والعهود بأن لا تسأل غير الذي كنت سألت! فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك، فيقول فما عسيت إن أعطيتك ذلك أن لا تسأل غيره؟ فيقول وعزّتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها رأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله تبارك وتعالى ويحك يا ابن آدم ما اغدرك، أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله عز وجل منه، ثم يؤذن له في دخول الجنة، فيقول تمنّ، حتى إذا انقطعت أمنيته، قال الله تمن كذا وكذا (أقبل يذكره ربه) حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله:
لك ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة وعشرة أمثاله؟ قال أبو هريرة لم أحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك مثل ذلك ومثله معه. قال أبو سعيد رضي الله عنه سمعته يقول لك ذلك وعشرة أمثاله. وهذا من لطف الله تعالى في هذا العبد لأنه يعلم في الأزل أنه أهل للجنة بشيء من عمله لا يعرفه هو.
أنظر قوله صلى الله عليه وسلم: دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض. وحديث البطاقة المار ذكره في الآية ٧ من الأعراف، وحديث من رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأسقاه. لأن الله تعالى لا يضيع الذرة لعباده بل ينميها له بواسع فضله وهو لا يشعر. وعن ابن مسعود قال:
قال صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا فيها، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيقول يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله اذهب فادخل الجنة، قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع، فيقول يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله تعالى اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل