ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له، وهو ذكر الله تعالى المأمور به في هذه الآية، فيحمله على إقامتها لاشتمالها على الذكر، وقد صادف هذا البحث حادثة غريبة عن التفسير المبارك مناسبة للمقام فأحببت ذكرها، وهي اني كنت في المحكمة في الساعة الرابعة من يوم الخميس ١ جمادى الآخرة سنة ١٣٥٧ واشتغلت كعادتي في هذا التفسير وأجهدت نفسي في مطالعة التفاسير في آية الاستواء المارّة ولم أحس بأني لم أصل الظهر إلا عند كتابة هذه الأحاديث، وكان العصر يؤذن فتفاءلت بها بأن الله تعالى لم يؤاخذني وتسليت بما وقع لحضرة الرسول يوم الخندق ويوم الأحزاب، وإلى سليمان في حادثة الخيل وقد ألمعنا إليها في الآية ٣٣ من سورة ص المارة، لأنه لم يفتني والحمد لله وقت قط، فمقت وصليت الظهر ثم العصر واستغفرت الله تعالى من هذه الغفوة، ثم عدت لما أنا فيه قال تعالى «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ» لا محالة لأن خراب الكون متوقف عليها، وجاء بذكر الساعة هنا لأن قوم موسى الذي أمره الله في هذه الآية بدعوتهم للايمان ينكرونها، لأن فرعون وقومه القبط يعبدون الأوثان، ولأن الاعتقاد بوجودها من أصول الدين ومتعلق آمال الموحدين، جعلها الله في الدرجة الثالثة إذ ذكرها بعد توحيده وإقامة الصلاة لذكره، وأكدها بحرف التوكيد، وكأن موسى عليه السلام تشوف ليعلم وقت مجيء الساعة لأن من أرسله إليهم ينكرونها أسوة بمن تقدم من الكفرة أمثالهم فقال تعالى «أَكادُ أُخْفِيها» حتى عن نفسي فكيف أظهرها لك أو أظهرك عليها وكيف يعلمها مخلوق وهي من خصائص الخالق، وهذا جري على عادة العرب المنزل عليهم هذا القرآن بلغتهم، إن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان السر قال كدت أخفيه عن نفسي، ويؤيد هذا التفسير الذي اخترته على غيره قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها (عن نفسه) حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه- مبالغة في الإخفاء- وبه قال ابن عباس وجعفر الصادق، أما ما جاء في مصحف أبيّ ومصحف ابن خالويه وعبد الله بزيادة (فكيف أظهرها) فليس من القرآن وإنما هو من تفسيرهم لهذه الآية إذ كانوا يكتبون بهامش مصاحفهم أو بين