هو الصندوق، واليم البحر بالسريانية والعبرية والعربية، وكل نهر كبير يسمى يمّا كالنيل ودجلة والفرات وغيرها، وقد أعلمناها بأنا حافظوه مما تخاف عليه، ونتيجة هذا الإلقاء وهو «فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ» لأنا أمرنا البحر أن لا يأخذه بل يطرحه على الشاطئ قريبا من فرعون «يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ» وهو فرعون إذ يمر قسم من النيل في داره، وكان ذلك، ولما رأى فرعون ذلك التابوت رسا في ساحله، أمر الجواري بإخراجه، فأخرجوه ففتحه فإذا فيه غلام ألقى الله محبته في قلبه، بحيث لم يتمالك نفسه وعقله من فرط محبته له، وذلك قوله تعالى «وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي» وأنساه الله في تلك الساعة أمره بقتل الأولاد ليتم مراد الله فيه، وأمر بتربيته في حجره، قال تعالى «وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي» ٣٩ ترّبى بمرأى مني عند عدوك وعدوّي، وإني مراقبك ومراعيك كما يراقب ويرعى الرجل الحريص شيئا بعينه، ولكن شتان بين مراعاتي ومراعاة عبدي، واذكر يا موسى ترادف منني عليك «إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ» مريم بنت عمران وهذه التي شبهت بها مريم أم عيسى عليه السلام في الآية ٢٨ من سورة مريم المارة، لما بين الاثنتين من الشبه في العفة والطهارة والكرامة والمحتد وعلو النّسب والحسب، وذلك أن أمك بعد أن طرحتك في اليم ضاق ذرعها، فأرسلتها لتعرف خبرك لشدة ما حل بها من الخوف عليك، فوجدتك في بيت فرعون يتحرون لك ظئرا، فألهمناها أن تتطفل بالكلام «فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ» يقوم بإرضاعه وتربيته كما تريدون، وذلك لأنه أبى قبول ثدي المرضعات اللاتي أحضرنهن له، كما سيأتي في الآية ١٢ من سورة القصص، فقالوا لها نعم، فأحضرت لهم أمك، فأخذت ثديها وأعماهم الله ربك عن التحقيق عنها فلم يعلموا أنها أمك وهذه أعظم منة عليك وعليها «فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ» على فراقك ولتربيك في حنوها، إذ لا شفقة أعظم من شفقة الأم، إلا رأفة ربك على عباده، ورأفة الرسول على أمته، «وَ» من جملة ألطافي عليك، أنك بعد أن كبرت «قَتَلْتَ نَفْساً» من قوم فرعون سنأتي قصته في الآية ٦٩ من سورة القصص