فأزيل عنهما لباسهما الساتر لهما فظهرت عورتهما فاستوحشا منظرهما «وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» بقصد سترهما إذ استبشعا ما رأياه من عورتهما، ولم يكن لهما ما يسترانها إلا أوراق الجنة.
مطلب معصية آدم والحكم الشرعي فيها ومعنى القضاء والقدر.
«وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ» على هذه الصورة «فَغَوى» ١٢١ ضل عن طريق الحق وأخطأ الصواب بمخالفته هذه فخسر الجنة والخلد فيها في الدنيا، أمّا الآخرة فمضمونة له، وكذلك خسر الملك الذي غرّرهما به إبليس مدة حياتهما وصار حالهما من الراحة الى التعب، ومن الصفاء الى الكدر ومن الرفاه الى الهم، ومن الفراغ الى الشغل، ومن الأمن الى الخوف، ومن الصحة الى المرض، واعتراهما ما يعتري أهل الدنيا وفارقهما ما يعترى أهل الجنة. الحكم الشرعي: قال ابن قتيبة: يجوز أن يقال عصى آدم ولا يجوز أن يقال عاص لمن اعتاد المعصية لا لمن لم يعتدها، كالرجل يخيط ثوبه فيقال خاط ثوبه ولا يقال له خياط. وقد أجمع العلماء على أن ما وقع من آدم قبل النبوة بدليل قوله تعالى (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ) تجاوز عما وقع منه «وَهَدى» وفقه للهداية بأن علمه كلمات كما يأتي ذكرها في الآية ٢٧ من البقرة في ج ٣ وهي من حيث المعنى مثل هذه الآية، إلا أن العطف جاء هنا يثم الدالة على التراخي، أي اصطفاه نبيا بعد ما وقع منه ذلك، وهناك بالفاء الدالة على الفور أي أنه تاب عليه حالا، وعلى كل فالتوبة بعد وقوع المخالفة والنبوة بعدها، وما جاء على غير هذا لا قيمة له ولا عبرة به روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتج آدم وموسى «أي جادل وخاصم يقال حاججته جادلته فغلبته» فقال موسى يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة! فقال آدم أنت اصطفاك الله بكلامه وخطّ لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين عاما، فحج آدم موسى. وفي رواية لمسلم: قال آدم بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق، قال موسى بأربعين سنة، قال وهل وجدته