من منع وقوع الكل سهوا وخطأ وتأويلا، وهو قال الشيعة، فاذا علمت هذا فاعلم أنه قد ثبت ببديهة العقل ان لا شيء أقبح بمن رفع الله درجته وأعلى مقامه وائتمنه على وحيه، وجعله خليفة في عباده وبلاده، يسمع ربه يناديه لا تفعل كذا فيقدم عليه ويفعله ترجيحا لغرضه. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء كانوا يأمرون الناس بطاعة الله، فلو لم يطيعوه هم لدخلوا تحت قوله تعالى «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» الآية ٤٤ من سورة البقرة، وقد قال تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام «وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ» الآية ٨٨ من سورة هود في ج ٢، وقال تعالى «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ» الآية ٩٠ من سورة الأنبياء في ج ٢ واللفظ للعموم فيتناول الكل ويدل على ما ينبغي فعله وترك ما ينبغي تركه، فثبت لك من هذا ومما سيأتي في تفسير الآيات الآنفة الذكر أن الأنبياء كلهم فاعلون لكل خير تاركون كل شر، وهذا ينافي صدور الذنب منهم، كيف وقد قال تعالى (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) الآية ٥٥ من سورة الحج في ج ٣، وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) الآية ٣٣ من آل عمران ج ٣ وقال في حق موسى (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) الآية ١٤٣ من الأعراف المارة وقال تعالى «وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ، إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) الآيات ٤٦ فما بعدها من سورة ص المارة) وهذه الأدلة القاطعة تدل على وصفهم بالاصطفاء والأخيرية صراحة وذلك كله ينافي اقتراف الذنب مهما كان بعد النبوة لا عمدا ولا سهوا ولا نسيانا ولا خطأ قال في بدء الأمالي:
وان الأنبياء لفي أمان ... عن العصيان عمدا وانعزال
وأن من خالف هذا الإجماع وتمسك بظاهر بعض الآيات كالآية المفسرة وقال بصدور الذنب منهم على طريق التأويل أو غيره فإن كلامه إنما يتم إذا أثبت بالدلائل أن ما وقع من آدم عليه السلام كان حال النبوة أو بعدها، وذلك