أعطيناهم فان معذبون عليه فيهما، هذا، والدليل على نزول هاتين الآيتين في المدينة ما قاله ابو رافع نزلت هذه الآية حينما نزل ضيف برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثني الى يهودي استلف منه له دقيقا فلم يفعل إلا برهن، فأرسل معي درعه الحديدي فرهنته عنده، وقال صلى الله عليه وسلم: والله لئن باعني أو أسلفني لقضيته واني لأمين في السماء وأمين في الأرض لأن مكة لا يهود فيها. فثبت أنهما مدنيتان قال أبيّ بن كعب: من لم يعتزّ بالله تقطعت نفسه حسرات، ومن اتبع بصره ما في أيدي النّاس بطل حزنه، ومن ظن أن نعمة الله عليه في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل عمله وحضر عذابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم انظروا الى من هو دونكم في أمور دنياكم وفي رواية: انظروا الى من هو أسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعم الله، وفي رواية نعمة ربكم. أما في أمور الآخرة فينبغي للعاقل أن ينظر الى من هو فوقه ويقتفي أثره، فهو أجدر لأن يكون من أولياء الله، وقد نظم هذا في بيتين قال:
من شاء عيشا رغيدا يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا
فلينظرن الى ما فوقه أدبا ... ولينظرن الى من دونه مالا
ولهذا فان المتقين تردّدوا في وجوب غض النظر عن ابنية الظلمة، وعدد الفسقة، في ملابسهم ومراكبهم قال الحسن لا تنظروا إلى دقدقة (جلبة الناس وأصوات حوافر دوابهم) هماليج (الذين لا مخ لهم أو المذللين المنقادين) الفسقة، ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية في تلك الرقاب لأنهم اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالنظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها. ومعنى هذا الخطاب هو أن الله تعالى يقول لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم استمر يا حبيبي على ترك ذلك كله، واعلق بالك بما هو عند الله، واترك ما سواه، ويراد به غيره صلى الله عليه وسلم، لأنه أبعد من أن تمتد عينه لشيء من تلك الزخارف، وجاء الخطاب له لأنه أكثر تأثيرا لانقياد أمته إليه، وأعظم إلهابا في الصدور لمتابعته، كيف وهو القائل: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله.
وكان صلى الله عليه وسلم شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زهرتها، لهذا يكون المراد به أمته، مثل قوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ» الآية ٦٥ وما بعدها من سورة الزخرف